أسبت إذا دخل في السبت (لا تَأْتِيهِمْ) الحيتان (كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ) أي مثل ذلك البلاء الشديد والاختبار نختبرهم (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [١٦٣] أي بسبب فسقهم وخروجهم عن أمر الله.
(وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤))
(وَإِذْ قالَتْ) عطف على قوله (إِذْ يَعْدُونَ) ، وحكمه كحكمه في الإعراب ، أي حين قالت (أُمَّةٌ) أي جماعة (مِنْهُمْ) صالحة للجماعة الذين نهوهم عن أخذ الحيتان بعد يأسهم من توبة الفاسقين بأخذها (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً) وقد علمتم ذلك فلا ينفعهم الوعظ ، وكانوا ثلث فرق ، فرقة صادت وفرقة وعظتهم وفرقة لم تصد ولم تنه (قالُوا) أي قالت الأمة الواعظة (مَعْذِرَةً) بالرفع خبر مبتدأ محذوف ، أي موعظتنا إظهار عذر منا (١)(إِلى رَبِّكُمْ) لئلا ينسب إلينا تقصير ما في النهي عن المنكر ، وبالنصب (٢) على أنه مفعول له ، أي وعظناهم للمعذرة (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [١٦٤] أي ولطمعنا أن يخافوا من الله وينتهوا عن الفسق.
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥))
(فَلَمَّا نَسُوا) أي ترك أهل القرية (ما ذُكِّرُوا بِهِ) أي الذي وعظوا به من النهي عن الصيد (أَنْجَيْنَا) من العذاب (الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) وهو أخذ الحيتان في السبت (وَأَخَذْنَا) أي عاقبنا (الَّذِينَ ظَلَمُوا) بترك أمر الله (بِعَذابٍ بَئِيسٍ) أي شديد (بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [١٦٥] أي يخرجون عن أمر الله ويعصونه ، قرئ «بيس» بكسر الباء وسكون الياء بلا همز كذيب ، و (بَئِيسٍ) بفتح الباء وهمزة مكسورة مع الياء الساكنة كرغيف ، و «بئس» في بئس كقرد ، كسر الباء المنقول من الهمزة بعد سلب الفتحة من الباء وسكون الهمزة ، و (بَئِيسٍ) بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة بعدها كجعفر (٣).
قال ابن عباس : «ما أدري ما صنع بالفرقة الساكتة» (٤) ، فقال عكرمة : «نجت الناهية والساكتة لقولهم «لم تعظون قوما الله مهلكهم» فهم قد أنكروا عليهم» وقوله تعالى (وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا) الآية ، روي : «أن قوله أعجب ابن عباس فوهب له بردين بسببه» (٥).
(فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (١٦٦))
ثم قال تعالى (فَلَمَّا عَتَوْا) أي تكبروا (عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ) أي عن امتثال المنهي من الصيد بعد تعذيبهم بعذاب شديد أولا (قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) [١٦٦] أي مبعدين عن رحمة الله ، وهو أمر تحويل لمسخهم آخرا ، وقيل : هو تكرير لقوله «فلما نسوا» والعذاب البئيس هو المسخ (٦) ، روي : أنهم كانوا يأخذون الحياض في جنب البحر ويسيلون الماء فيها يوم السبت ، فيدخل السمك فيها ، ويأخذونه يوم الأحد ، فقالوا إنما نهينا عن أخذ الصيد يوم السبت ، ونحن نأخذه يوم الأحد ، فلما يعذبوا به استحلوا الأخذ في يوم السبت فظهر عدوانهم به ، به قالوا إنما حرمه الله على ابائنا ولم يحرم علينا ، فنهاهم صلحاؤهم ، فلم يمتنعوا فضربوا حائطا بينهم وبين الظلمة ، فأصبحوا يوما من الأيام ، ولم يفتحوا الباب الذي بينهما ، فصعد واحد منهم الحائط ، فاذا القوم قد
__________________
(١) منا ، ب س : ـ م.
(٢) «معذرة» : قرأ حفص بنصب التاء ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ١٢٥.
(٣) «بئس» : قرأ المدنيان بكسر الباء الموحدة وبعدها ياء ساكنة مدية ولا همز لهما ، وقرأ الشامي بكسر الباء الموحدة وبعدها همزة ساكنة ، وقرأ شعبة بخلف عنه بباء موحدة مفتوحة ، وبعدها ياء ساكنة وبعد الياء الساكنة همزة مفتوحة ، والباقون بباء موحدة مفتوحة وبعدها همزة مكسورة ممدودة ، وهو الوجه الثاني لشعبة ، ووقف عليه حمزة بالتسهيل كالياء فقط. البدور الزاهرة ، ١٢٥.
(٤) انظر البغوي ، ٢ / ٥٦٠.
(٥) انظر السمرقندي ، ١ / ٥٧٨ ؛ والبغوي ، ٢ / ٥٦٠.
(٦) وهذا مأخوذ عن الكشاف ، ٢ / ١٤٣ ـ ١٤٤.