مسخوا (١) ، قيل : «صار الشبان قردة والشيوخ خنازير» (٢).
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٧))
قوله (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ) عطف على قوله (إِذْ يَعْدُونَ) ، أي سلهم ، كيف عذبهم الله إذ أعلم الله وهو أجري مجرى فعل القسم كعلم الله وشهد الله ، ولذلك جيئ باللام في قوله (لَيَبْعَثَنَّ) المعنى : وإذ أوجب ربك بعلمه وحكمه (٣) على نفسه ليرسلن بالتسليط (عَلَيْهِمْ) أي على اليهود (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ) أي يعذبهم (سُوءَ الْعَذابِ) فكانوا يؤدون الجزية إلى المجوس إلى أن بعث الله محمدا عليهالسلام فضربها عليهم ، فلا تزال الجزية مضروبة عليهم إلى آخر الدهر (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لمن عصى أمره (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [١٦٧] لمن تاب عن المعصية.
(وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (١٦٨))
(وَقَطَّعْناهُمْ) أي فرقنا اليهود (فِي الْأَرْضِ أُمَماً) أي فرقا مختلفة (مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ) وهم المؤمنون بمحمد عليهالسلام (وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ) أي ومنهم ناس منحطون عن رتبة الصلحاء وهم الكفرة والفسقة ، فمحل «دون ذلك» رفع صفة لموصوف محذوف (وَبَلَوْناهُمْ) أي اختبرناهم (بِالْحَسَناتِ) أي بالنعم الوافرة (وَالسَّيِّئاتِ) أي بالمحن الشديدة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [١٦٨] عن الكفر والفسق إلى الإيمان والصلاح.
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩))
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد انقراض المذكورين (خَلْفٌ) قيل : «هو بسكون اللام الأولاد وبفتحها البدل» (٤) ، وقيل : «بالفتح الصالح وبالسكون الطالح» (٥) ، أي قام مقامهم جماعة ، وهم من عاصر النبي عليهالسلام من اليهود (وَرِثُوا الْكِتابَ) أي التورية (يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى) أي متاع هذا الشيء الدني من حطام الدنيا ، وفيه تحقير وتخسيس لنعم الدنيا ، قيل : «العرض بالفتح متاع الدنيا قل أو كثر ، وبالإسكان ما سوى الذهب والفضة» (٦) ، يعني يأخذون الرشوة لتغيير بعض ما في التورية من الأحكام ونعت محمد عليهالسلام إضلالا للعوام منهم (وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا) أي لا نؤاخذه به ، ومحل (لَنا) رفع فاعل (سَيُغْفَرُ) ، والواو في قوله (وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ) واو الحال ، أي والحال أنهم إن يحصل لهم عرض مثل ذلك (يَأْخُذُوهُ) ويرجوا المغفرة غير تائبين ، ولا يحصل المغفرة إلا للتائب ، فالمعنى : أنهم يصرون على فعل الذنوب وأكل الحرام ولا يتوبون ، ثم قال تعالى توبيخا لهم بالاستفهام (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ) أي العهد في التورية (أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ) أي قول الحق ، و (إِنْ) مع ما بعدها في محل الرفع عطف بيان ل (مِيثاقُ الْكِتابِ) ، قوله (وَدَرَسُوا) عطف على (أَلَمْ يُؤْخَذْ) ، لأنه للتقرير ، أي أخذ ميثاقهم فيه ، وقرؤوا وعملوا (ما فِيهِ) أي الذي في الكتاب من اشتراط التوبة في غفران الذنوب ، والمصر لا غفران له ، قيل مرويا عن مالك بن دينار : «يأتي على الناس زمان إن قصروا عما أمروا به قالوا سيغفر لنا لم نشرك بالله شيئا كل أمرهم إلى الطمع خيارهم في المداهنة فهؤلاء من
__________________
(١) لعله اختصره من البغوي ، ٢ / ٥٥٨ ـ ٥٥٩ ؛ والكشاف ، ٢ / ١٤٣.
(٢) وهذا منقول عن الكشاف ، ٢ / ١٤٣.
(٣) المعنى وإذ أوجب ربك بعلمه وحكمه ، ب س : أوجب ، م.
(٤) قاله أبو حاتم ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٦٢.
(٥) قاله ابن الأعرابي ، انظر البغوي ، ٢ / ٥٦٢.
(٦) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٥٦٣.