(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٢٩) أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (٣٠) وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٣١)
٢٩ ـ (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ) من الملائكة (إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) من دون الله ، إنّي مدني وأبو عمرو (فَذلِكَ) مبتدأ أي فذلك القائل ، خبره (نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ) وهو جواب الشرط (كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) الكافرين الذين وضعوا الإلهية في غير موضعها وهذا على سبيل الفرض والتمثيل لتحقّق عصمتهم ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والضّحّاك : قد تحقّق الوعيد في إبليس فإنه ادعى الإلهية لنفسه ودعا إلى طاعة نفسه وعبادته.
٣٠ ـ (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ألم ير مكي (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا) أي جماعة السماوات وجماعة الأرض فلذا لم يقل كنّ (رَتْقاً) بمعنى المفعول أي كانتا مرتوقتين ، وهو مصدر فلذا صلح أن يقع موقع مرتوقتين (فَفَتَقْناهُما) فشققناهما ، والفتق الفصل بين الشيئين والرتق ضدّ الفتق ، فإن قيل : متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلنا : إنه وارد في القرآن الذي هو معجزة فقام مقام المرئيّ المشاهد ، ولأن الرؤية بمعنى العلم ، وتلاصق الأرض والسماء وتباينهما جائزان في العقل ، فالاختصاص بالتباين دون التلاصق لا بدّ له من مخصّص وهو القديم جلّ جلاله ، ثم قيل إنّ السماء كانت لاصقة بالأرض لا فضاء بينهما ففتقناهما أي فصلنا بينهما بالهواء ، وقيل كانت السماوات مرتتقة طبقة واحدة ففتقها الله تعالى وجعلها سبع سماوات ، وكذلك الأرض كانت مرتتقة طبقة واحدة ففتقها وجعلها سبع أرضين ، وقيل كانت السماء رتقا لا تمطر والأرض رتقا لا تنبت ففتق السماء بالمطر والأرض بالنبات (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ) أي خلقنا من الماء كلّ حيوان كقوله : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) (١) أو كأنما خلقناه من الماء لفرط احتياجه إليه وحبّه له وقلة صبره عنه كقوله (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) (٢) (أَفَلا يُؤْمِنُونَ) يصدّقون بما يشاهدون.
٣١ ـ (وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ) جبالا ثوابت من رسا إذا ثبت (أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ) لئلّا تضطرب بهم ، فحذف لا واللام ، وإنما جاز حذف لا لعدم الالتباس كما
__________________
(١) النور ، ٢٤ / ٤٥.
(٢) تأتي لاحقا في هذه السورة الآية ٣٧.