(وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٤٦) وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ) (٤٨)
النبي صلىاللهعليهوسلم (إِذا ما يُنْذَرُونَ) يخوّفون ، واللام في الصمّ للعهد ، وهو إشارة إلى هؤلاء المنذرين ، والأصل ولا يسمعون إذا ما ينذرون ، فوضع الظاهر موضع المضمر للدلالة على تصامّهم وسدّهم أسماعهم إذا ما أنذروا.
٤٦ ـ (وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ) دفعة يسيرة (مِنْ عَذابِ رَبِّكَ) صفة لنفحة (لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) أي ولئن مسّهم من هذا الذي ينذرون به أدنى شيء لذلّوا ودعوا بالويل على أنفسهم واقرّوا أنهم ظلموا أنفسهم حين تصامّوا وأعرضوا ، وقد بولغ حيث ذكر المسّ والنفحة لأن النفح يدل على القلّة ، يقال نفحه بعطيّة : رضخه بها مع أنّ بناءها للمرة (١).
٤٧ ـ (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ) جمع ميزان وهو ما يوزن به الشيء فيعرف كميته ، وعن الحسن : هو ميزان له كفّتان ولسان ، وإنما جمع الموازين لتعظيم شأنها كما في قوله : (يا أَيُّهَا الرُّسُلُ) (٢) والوزن لصحائف الأعمال ، في قول (الْقِسْطَ) وصفت الموازين بالقسط وهو العدل مبالغة كأنها في نفسها قسط ، أو على حذف المضاف أي ذوات القسط (لِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لأهل يوم القيامة أي لأجلهم (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) من الظلم (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ) وإن كان الشيء مثقال حبة ، مثقال بالرفع مدني وكذا في لقمان على كان التامة (مِنْ خَرْدَلٍ) صفة لحبة (أَتَيْنا بِها) أحضرناها ، وأنث ضمير المثقال لإضافته إلى الحبة كقولهم ذهبت بعض أصابعه (وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) عالمين حافظين ، عن ابن عباس رضي الله عنهما لأنّ من حفظ شيئا حسبه وعلمه.
٤٨ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً) قيل هذه الثلاثة هي التوراة ، فهي فرقان بين الحقّ والباطل ، وضياء يستضاء به ويتوصّل به إلى سبيل النجاة ، وذكر أي شرف أو وعظ وتنبيه أو ذكر ما يحتاج الناس إليه في مصالح دينهم ، ودخلت الواو على الصفات كما في قوله : (وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا) (٣) وتقول مررت
__________________
(١) زاد في (ز) وفي المس والنفحة ثلاث مبالغات لأن النفح في معنى القلة والنزارة يقال نفحته الدابة وهو رمح لين ، ونفحه بعطية رضخه والبناء للمرة.
(٢) المؤمنون ، ٢٣ / ٥١.
(٣) آل عمران ، ٣ / ٣٩.