(قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٢٧)
فقيل إنه لا بأس به عند الحاجة كما كان لموسى عليهالسلام ، على أنه روي أنها لما قالت ليجزيك كره ذلك ، وإنما أجابها لئلا يخيب قصدها ، لأن للقاصد حرمة ، ولما وضع شعيب الطعام بين يديه امتنع ، فقال شعيب : ألست جائعا؟ قال : بلى ولكن أخاف أن يكون عوضا مما سقيت لهما ، وإنّا أهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا ، ولا نأخذ على المعروف ثمنا ، فقال شعيب عليهالسلام : هذه عادتنا مع كلّ من ينزل بنا ، فأكل.
٢٦ ـ (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) اتخذه أجيرا لرعي الغنم ، روي أنّ كبراهما كانت تسمى صفراء والصغرى صفيراء ، وصفراء هي التي ذهبت به ، وطلبت إلى أبيها أن يستأجره ، وهي التي تزوّجها (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) فقال : وما علمك بقوته وأمانته؟ فذكرت نزع الدلو وأمرها بالمشي خلفه ، وورد الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنّ أمانته وقوّته أمران متحقّقان ، وقولها إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين كلام جامع ، لأنه إذا اجتمعت هاتان الخصلتان الكفاية والأمانة في القائم بأمرك فقد فرغ بالك وتمّ مرادك ، وقيل القوي في دينه الأمين في جوارحه ، وقد استغنت بهذا الكلام الجاري مجرى المثل عن أن تقول استأجره لقوته وأمانته. وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أفرس الناس ثلاث : بنت شعيب وصاحب يوسف في قوله عسى أن ينفعنا ، وأبو بكر في عمر.
٢٧ ـ (قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) أزوّجك (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ) قوله هاتين يدلّ على أنه كان له غيرهما ، وهذه مواعدة منه ، ولم يكن ذلك عقدا للنكاح (١) إذ لو كان عقدا لقال قد أنكحتك (عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي) تكون أجيرا لي من أجرته إذا كنت أجيرا (ثَمانِيَ حِجَجٍ) ظرفه (٢) والحجّة السنة ، وجمعها حجج والتزوّج على رعي الغنم جائز بالإجماع لأنه من باب القيام بأمر الزوجية فلا مناقضة بخلاف التزوّج على الخدمة (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً) أي عمل عشر حجج (فَمِنْ عِنْدِكَ) فذلك تفضّل منك ليس بواجب عليك ، أو فإتمامه من عندك ولا أحتمه عليك ، ولكنّك إن فعلته فهو منك تفضّل وتبرع (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) بإلزام أتمّ الأجلين ، وحقيقة قولهم : شققت
__________________
(١) في (ظ) و (ز) عقد نكاح.
(٢) في (ز) ظرف.