(وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٦١)
سوء عاقبة قوم كانوا في مثل حالهم بإنعام الله عليهم فلم يشكروا النعمة وقابلوها بالبطر فأهلكوا ، وكم نصب بأهلكنا ومعيشتها بحذف الجار وإيصال الفعل ، أي في معيشتها ، والبطر سوء احتمال الغنى ، وهو أن لا يحفظ حقّ الله فيه (فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ) منازلهم باقية الآثار يشاهدونها في الأسفار كبلاد ثمود وقوم شعيب وغيرهم (لَمْ تُسْكَنْ) حال ، والعامل فيها الإشارة (مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً) من السّكنى ، أي لم يسكنها إلّا المسافر ومارّ الطريق يوما أو ساعة (وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ) لتلك المساكن من ساكنيها ، أي لا يملك التصرّف فيها غيرنا.
٥٩ ـ (وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى) في كلّ وقت (حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها) وبكسر الهمزة حمزة وعليّ ، أي في القرية التي هي أمّها أي أصلها ومعظمها (رَسُولاً) لإلزام الحجة وقطع المعذرة ، أو وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أمّ القرى يعني مكة ، لأنّ الأرض دحيت من تحتها ، رسولا يعني محمدا عليهالسلام (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) أي القرآن (وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ) أي وما أهلكناهم للانتقام إلّا وأهلها مستحقون العذاب بظلمهم ، وهو إصرارهم على كفرهم ، وعنادهم ومكابرتهم بعد الإعذار إليهم.
٦٠ ـ (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) وأي شيء أصبتموه من أسباب الدنيا فما هو إلا تمتع وزينة أياما قلائل ، وهي مدة الحياة الفانية (وَما عِنْدَ اللهِ) وهو ثوابه (خَيْرٌ) في نفسه من ذلك (وَأَبْقى) لأنه دائم (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أنّ الباقي خير من الفاني ، وخيّر أبو عمرو بين الياء والتاء ، والباقون بالتاء لا غير ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ الله تعالى خلق الدنيا وجعل أهلها ثلاثة أصناف : المؤمن والمنافق والكافر ، فالمؤمن يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع. ثم قرر هذه الآية بقوله :
٦١ ـ (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً) أي الجنة فلا شيء أحسن منها لأنها دائمة ولذا سمّيت الجنة بالحسنى (فَهُوَ لاقِيهِ) أي رائيه ومدركه ومصيبه (كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ