(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤) وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) (٢٥)
فحذف الجارّ كما في المثل صدقني سنّ بكرة أي صدقني في سنّ بكرة (١) بطرح الجار وإيصال الفعل. نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم عثمان بن عفان وطلحة وسعيد بن زيد (٢) وحمزة ومصعب وغيرهم (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) أي مات شهيدا كحمزة ومصعب. وقضاء النحب صار عبارة عن الموت لأنّ كلّ حيّ من المحدثات لا بدّ له أن يموت فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت أي على الشهادة كعثمان وطلحة (وَما بَدَّلُوا) العهد (تَبْدِيلاً) ولا غيّروه لا المستشهد ولا من ينتظر الشهادة ، وفيه تعريض لمن بدّلوا من أهل النفاق ومرضى القلوب ، كما مر في قوله تعالى : (وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ).
٢٤ ـ (لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ) بوفائهم بالعهد (وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ) إذا لم يتوبوا (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) إن تابوا (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً) بقبول التوبة (رَحِيماً) بعفو الحوبة ، جعل المنافقون (٣) كأنهم قصدوا عاقبة السوء وأرادوها بتبديلهم ، كما قصد الصادقون عاقبة الصدق بوفائهم ، لأنّ كلا الفريقين مسوق إلى عاقبته من الثواب والعقاب ، فكأنهما استويا في طلبها والسعي في تحصيلها.
٢٥ ـ (وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الأحزاب (بِغَيْظِهِمْ) حال ، أي مغيظين ، كقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) (٤) (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) ظفرا ، أي لم يظفروا بالمسلمين ، وسماه خيرا بزعمهم ، وهو حال أي غير ظافرين (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بالريح والملائكة (وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) قادرا غالبا.
__________________
(١) بكرة : الأنثى الفتية من الإبل (مختار الصحاح).
(٢) سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، صحابي من خيارهم ، هاجر إلى المدينة وشهد المشاهد كلها إلا بدرا وهو من العشرة المبشرين بالجنة ولد عام ٢٢ ق. ه ومات عام ٥١ ه (الأعلام ٣ / ٩٤) وفي (ز) سعد بن زيد وهو تصحيف.
(٣) في (ظ) و (ز) جعل المنافقين.
(٤) المؤمنون ، ٢٣ / ٢٠.