(وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣))
بدر إلى القليب (١).
٥٢ ـ (وَقالُوا) حين عاينوا العذاب (آمَنَّا بِهِ) بمحمد عليهالسلام لمرور ذكره في قوله ما بصاحبكم من جنّة ، أو بالله (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) التناوش : التناول أي كيف يتناولون التوبة وقد بعدت عنهم ، يريد أنّ التوبة كانت تقبل عنهم (٢) في الدنيا وقد ذهبت الدنيا وبعدت من الآخرة ، وقيل هذا تمثيل لطلبهم ما لا يكون ، وهو أن ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت كما نفع المؤمنين إيمانهم في الدنيا ، مثّلت حالهم بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة (٣) كما يتناول الآخر من قيس ذراع (٤). التناؤش بالهمزة أبو عمرو وكوفي غير حفص ، همزت الواو لأنّ كلّ واو مضمومة ضمتها لازمة إن شئت أبدلتها همزة وإن شئت لم تبدل ، نحو قولك أدور وتقاوم (٥) ، وإن شئت قلت أدؤر وتقاؤم ، وعن ثعلب : التناؤش بالهمز التناول من بعد وبغير همز التناول من قرب.
٥٣ ـ (وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ) من قبل العذاب أو في الدنيا (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) معطوف على قد كفروا على حكاية الحال الماضية ، يعني وكانوا يتكلّمون بالغيب أو بالشيء الغائب يقولون لا بعث ولا حساب ولا جنة ولا نار (مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) عن الصدق ، أو عن الحقّ والصواب ، أو هو قولهم في رسول الله صلىاللهعليهوسلم شاعر ساحر كذاب ، وهذا تكلّم بالغيب والأمر الخفي ، لأنهم لم يشاهدوا منه سحرا ولا شعرا ولا كذبا ، وقد أتوا بهذا الغيب من جهة بعيدة من حاله ، لأنّ أبعد شيء مما جاء به السّحر والشّعر وأبعد شيء من عادته (٦) التي عرفت بينهم وجرّبت الكذب ، ويقذفون محبوب (٧) عن أبي عمرو على البناء للمفعول أي تأتيهم به شياطينهم ويلقّنونهم إياه ،
__________________
(١) القليب : المكان الذي دفن فيه قتلى بدر من المشركين ، وقيل هو جبل لبني عامر (معجم البلدان ٤ / ٤٤٧).
(٢) في (ز) منهم.
(٣) الغلوة : الغاية مقدار رمية.
(٤) الذراع : مقياس يقاس به المذروع.
(٥) أدور : جمع دار. تقاوم : قام بعضهم لبعض في الحرب.
(٦) في (ز) عاداته.
(٧) في (ظ) و (ز) بالغيب. أي يقذفون بضم الياء محبوب.