إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (٢٦) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا (٢٧) يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ
____________________________________
القول يستعمل للعمل والإشارة ، كما يستعمل اللفظ (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً) وقد كان الصوم بمعنى الكف عن الكلام ، كما كان كفا عن الطعام ، وأمره سبحانه ب «قولي» يفيد لزوم أن تنذر هذا الصوم ، ولذا نذرت ذلك (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) منسوب إلى الإنس ، لإفادة الوحدة ، ولعل ذلك ، لأجل أن لا تقع في المجادلة مع الناس ، والاكتفاء بكلام عيسى الرضيع.
[٢٨] وهنا وقد رأت مريم عليهاالسلام ، المعجزات الباهرات ، وها هو وليدها الذي يتكلم على خلاف العادة ، معها حجة قاطعة على براءتها (فَأَتَتْ) مريم عليهاالسلام (بِهِ) أي بعيسى عليهالسلام (قَوْمَها) أي إلى قومها (تَحْمِلُهُ) على يديها ، ولما رآها القوم ، استنكروا طفلها ف (قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا) أي أمرا عظيما عجيبا ، من فرى بمعنى قطع ، كأن من يأتي بشيء عجيب ، قد قطع مدهشا ، لا يلائم سائر الأشياء ، ومنه الافتراء.
[٢٩] (يا أُخْتَ هارُونَ) روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن هارون كان رجلا صالحا في بني إسرائيل ، ينسب إليه كل من عرف بالصلاح (١) ، وعلى هذا كان المعنى يا شبيهة هارون في الصلاح ، كيف أتيت بهذا الولد ، من غير زواج ولا نكاح (ما كانَ أَبُوكِ) عمران (امْرَأَ سَوْءٍ) يعمل القبيح
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ١٤ ص ٢٢٦.