وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً
____________________________________
الدليل ، والحكم ، كما يذكر العام ، ليشمل الخاص ، فلا غرابة في أن يراد بالشعائر العموم ، ويراد ب «(لَكُمْ فِيها مَنافِعُ ..) إلى آخره ـ» خصوص الهدي ، كما قال سبحانه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (١) ف «إنا لا نضيع» عام ، ودليل ، في وقت واحد ، وهكذا من أمثاله ، وهو كثير.
[٣٥] وليس موضع عجب ، أن يكون ذبح الأنعام من الشعائر في هذه الأمة ، فقد كان ذبحها في كل الأمم من الشعائر ، والذين يثنون على ذبح الحيوان ، لم يدركوا طبيعة البشر ، التي لا تقوم ، إلا باللحوم ، ولم يدركوا أن لا فرق بين ذبح الحيوان وموته ، فإن الألم الذي يصل إليه من الموت أكثر من الألم الذي يصل إليه من الذبح ، والنقض بذبح الإنسان في غير مورده ، إذ الإنسان خلق لنفسه ، وله خلق الكون ـ كما يشهد بذلك نفس الكون ـ فهو غاية لا وسيلة ، بخلاف الحيوان الذي هو وسيلة ، ثم ماذا يقولون في ركوب الحيوان ، والحمل عليه؟ فهل يرون ذلك خلافا ، وأنه مثل ركوب الإنسان والحمل عليه؟ وماذا يقولون ، في استخدام الإنسان لجنسه في حوائجه الضرورية؟ وكون الألم هنا أقل فلا يبرر ، إذ لو كان الإيلام ظلما ، لم يكن فرق في أصل القبح بين الظلم القليل والظلم الكثير ، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) المنسك موضع العبادة ، من نسك بمعنى عبد ، والنسيكة الذبيحة ، لأنها تذبح قربة إلى الله تعالى ، والمراد بالمنسك إما البيت ، وإما الذبيحة ، لأنها موضع العبادة ، إذ يقرب بها إلى الله ، والأول أقرب
__________________
(١) الكهف : ٣١.