أو فتنة السامري للإسرائيليين وتمردهم على هارون.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنتج :
أوّلا : أنّ القصّة سيقت لإبراز معاناة الأنبياء في دعواتهم بصفتها نتيجة طبيعية لعظم المسئولية التي يتحملونها والمشاكل التي تواجههم ، وبشكل خاص تشير إلى المعاناة الذاتية ، ويشهد لذلك أنّ القصّة تؤكد المواقف التي تظهر فيها انفعالات الرسول ، كما أنّها تؤكد ما ينعم به الله على الرسول خلال المجابهة ، وحين ينتهي عرض دور الانفعال نجد القصّة تنتقل إلى عرض الدور الآخر دون أن تقف عند المشاهد الاخرى ، فهي مثلا تنتقل من العبور إلى المواعدة رأسا.
كما أنّنا حين نقارن بين هذا المورد الطويل من القصّة والمورد السابق الطويل منها الذي جاء في سورة الأعراف ، أو المورد الثالث الطويل منها الذي يأتي في سورة القصص نجد هذا المورد هو الوحيد بينها يؤكد بهذا التفصيل هذه الملامح لشخصية الرسول.
ثانيا : أنّ السبب الذي فرض على القصّة هذا الاسلوب الخاص من العرض والتصوير واقتضى في نفس الوقت بعض التكرار هو : مخاطبة الرسول وتخفيف الألم والعذاب النفسي اللذين كان يعانيهما تجاه الدعوة ، ويدلنا على ذلك ما لاحظناه في الأمر الأوّل والثاني ؛ إذ استهدف القرآن الكريم إبراز الصلة الوثيقة بين ما يعانيه رسول الله صلىاللهعليهوآله في دعوته وبين ما كان الأنبياء السابقون يعانونه : (ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً)(١).
__________________
(١) طه : ٢ ـ ٣ و ٩٩.