الثالث : أنّ القصّة تؤكّد بشكل واضح موقف مؤمن آل فرعون والأساليب التي استعملها في دعوته لهم ، ومحاولته ذات الجانب العاطفي في هدايتهم مع تذكيرهم بمصير من سبقهم من الامم ، وما ينتظرهم نتيجة لعنادهم وكفرهم. وقبالة هذا الموقف يظهر لنا موقف فرعون وقد تمادى في غيّه حتى حاول أن يطّلع على إله موسى عليهالسلام.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نستنتج : أنّ القصّة سيقت لتوضيح مصير من يجادل في آيات الله ، مع إيضاح الفرق بين الاسلوب الذي يستعمله الداعية والاسلوب الذي يستعمله المجادل والكافر ، وأن العذاب لا ينزل بهؤلاء إلّا بعد أن تتم الحجّة عليهم.
وأنّ الهداية والحجّة من الوضوح بحيث يمكن أن يقتنع بها حتى اولئك الأشخاص الذين يعيشون في الوسط المتنفذ والمترف ـ كما هو الحال بالنسبة إلى مؤمن آل فرعون ـ كما أنّها تؤكّد الدور الذي يجب أن يقوم به الإنسان تجاه هداية الآخرين ، وأنّها مسئولية شرعية وإنسانية يتحمّلها كل الناس حتى لو كان من الوسط الضال ، كما فعل مؤمن آل فرعون.
وفي هذا العرض القرآني للقصة يظهر لنا ـ أيضا ـ هذا الامتزاج بين الرحمة والغفران ، وبين النقمة وشدة العذاب : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(١) فإنّ الله سبحانه يجعل تحت متناول عقول عباده وأنظارهم آياته وأدلته وبراهينه ، ويتوسل إلى هدايتهم بالوسائل المختلفة التي لا تشل عنصر الاختيار فيهم ، كلّ ذلك رحمة منه وفسحة لقبول التوبة والاستغفار ، ولكنّه مع ذلك لا يعجزه شيء عن عقابهم أو القدرة على إنزال العذاب فيهم.
__________________
(١) غافر : ٣.