الإلهيّة حيث إنّه خرج يوما من مكانه متأمّلا في هذا الكون والوجود يفتّش عن ربّه في السماء ، وقد غابت الشمس ، فنظر إلى أحد الكواكب الذي يقال : إنّه الزهرة ، فقال : (هذا رَبِّي) ـ على الفرض والاحتمال ـ فلما غاب وأفل ، قال : (لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) ثم نظر إلى الشرق وقد رأى القمر قد طلع ، فقال : (هذا رَبِّي) هذا أكبر وأحسن ، فلما تحرك وزال قال : (لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فلمّا أصبح وطلعت الشمس ، ورأى ضوءها وقد أضاءت الدنيا لطلوعها ، قال : (هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) وأحسن ، فلمّا تحركت وزالت كشف الله عن السماوات حتى رأى ملكوت السماوات والارض ، فعند ذلك قال : (... يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(١).
وقد كانت فطرة إبراهيم طاهرة زكية ، وقلبه سليم لم يتلوث بالأدناس والأرجاس وعبادة الاوثان ، أو ممّا كان قومه عليه من الفساد والانحراف ، فشاهد الحقّ ، ووصل إليه بتوفيق الله تعالى.
وعند ما دخل إبراهيم بيت أبيه آزر أخذ يحاجّه في عبادته للأصنام ، ويدعوه إلى رفضها وتوحيد الله تعالى ، واتباعه حتى يهديه الله إلى الصراط المستقيم ، ويبعد عن ولاية الشيطان وعبادته ، ولم يزل يلحّ عليه بذلك حتى نهره وطرده
__________________
أباك ، فلم يزل إبراهيم في الغيبة مخفيّا لشخصه كاتما لأمره حتى ظهر ، فصدع بأمر الله ـ تعالى ـ ذكره ، وأظهر الله قدرته فيه». البحار ١٢ : ٤١ عن كمال الدين للصدوق.
ولكن الشيخ الراوندي ذكر في قصص الأنبياء هذه الرواية عن الصدوق مع فارق مهم ، وهو : أنّ آزر كان عمّ إبراهيم ، وأنّ (تارخ) كان قد وقع على ام إبراهيم فحملت به.
(١) تفسير علي بن إبراهيم القمي : ١٩٤ ، ١٩٥ ، والآية ٧٨ ـ ٧٩ من سورة الأنعام.