في الوقت نفسه لم تنزهه من هذه الإهانة والإذلال التي هي شأن الجناة والمشعوذين.
وهنا يبدو واضحا الرؤية (الوسطية) و (المتزنة) في العقيدة الإسلامية ، على خلاف الإفراط في الغلو عند النصارى ، والتفريط في عقيدة اليهود فيه.
ومن هنا نجد النصارى يتورطون في قبول الصلب والقتل ، فيدّعون خروجه من قبره وارتفاعه إلى السماء بعد ذلك ، ليتستروا على المدلول السلبي للصلب.
الرابعة : أنّ القرآن الكريم كان قد نزّه المسيح من الصلب ، واليهود والنصارى ألصقوها به ـ كما عرفنا ـ ولكنّ النصارى لم يكتفوا بذلك حتى حوّلوا قضية الصلب إلى فكرة عقائدية أساسية في العقيدة النصرانية ؛ إمعانا منهم في الغلوّ وتبريرا غير منطقي لوقوع هذه الحادثة المشينة للمسيح ، حيث لم يعرف تاريخ الأنبياء المنظور أن تعرّض أحدهم إلى هذا النوع من الإذلال والامتهان والإهانة (١). فمن أين جاء النصارى بهذه العقيدة؟ وهل هي اختراع منهم أو أنّهم أخذوها من غيرهم؟ ليبرروا بها هذه الحادثة المزوّرة.
وقد ذكر (السيد رشيد رضا) وغيره من الباحثين عن علماء تاريخ الأديان والآثار : أنّ هذه العقيدة قد اخذت بتفاصيلها عن الوثنيين الهنود ، وعن البوذيين بصورة أدق. وهو ممّا يدل على تأثر المسيحية الموجودة بالوثنية (٢).
الخامسة : أنّ هذه المرحلة اتصفت بوضع الأناجيل فيها. وهناك قرائن عديدة واضحة على تحريف هذه الأناجيل أو وضعها بمجرد مراجعتها على رغم ما
__________________
(١) راجع في بيان عقيدة الصلب ما ذكره في المنار ٦ : ٢٤ ـ ٢٥.
(٢) راجع المصدر السابق : ٣١ ـ ٣٣ ونقل عنه النجار في قصصه : ٤٧٩ ـ ٥٨٠.