ومن هنا نفهم أهمية تأكيد القرآن قصّة بناء إبراهيم للكعبة ، وندائه بالحج ؛ لأنّ هذه الشعائر الدينية ليس لها وجود عند الملتزمين بالديانة اليهودية والمسيحية من ناحية ، وللموقع الخاص الذي كانت تحتله الكعبة بين العرب عامّة من ناحية اخرى ، وللقرار الذي كان القرآن قد اتّخذه بجعل الكعبة قبلة للمسلمين ؛ تأكيدا لاستقلالية الرسالة في كلّ معالمها من ناحية ثالثة. وصرف الأنظار عن الأرض المقدسة وبيت المقدس ـ الذي يحظى بالقدسية الخاصة بسبب نشوء الديانات المختلفة فيه ـ ووجود إبراهيم وأنبياء بني اسرائيل كلّهم في هذه الأرض ، يحتاج في إعطاء هذه الأهمية للبيت والكعبة المشرفة إلى هذا الانتساب الأصيل إلى إبراهيم عليهالسلام.
وأمّا النبيّ موسى عليهالسلام فإنّنا يمكن أنّ نجد الامور التالية ـ أيضا ـ في تأكيد قصّته :
١ ـ موقعه من الديانة اليهودية والشعب الإسرائيلي ، والإنجاز السياسي والاجتماعي الذي حقّقه لهم ، وكذلك ما تحقّق من خلال التوراة من تشريع وحكمة وقانون.
٢ ـ إنّ المعاناة الطويلة التي مرّ بها موسى عليهالسلام كانت تشبه معاناة رسول الله صلىاللهعليهوآله سواء تجاه الطغاة الفراعنة أم المنافقين من الإسرائيليين ، أم في توطيد دعائم الحكم الإلهي في الأرض.
٣ ـ إنّ موقع موسى عليهالسلام من الديانتين اليهودية والنصرانية كان موقعا متميزا ؛ لأنّ النصرانية ـ أيضا ـ كانت ترى أنّ الأصل في الدين هو موسى عليهالسلام وما جاء به من نور أو تشريعات وقوانين ، وأنّ النصرانية هي عملية تصحيح للانحرافات اليهودية ، وأيضا كانت تعترف بالتوراة القائمة (العهد القديم).
٤ ـ إنّنا نجد ملامح الظروف الموضوعية القائمة التي كانت تحيط بالرسالة