والملاحظ في هذا المقطع :
أوّلا : جاء في سياق قوله تعالى : (يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ)(١).
ثانيا : أنّه يتناول أحداثا معينة أنعم الله بها على بني إسرائيل مرة بعد الاخرى ، مع الإشارة إلى ما كان يعقب هذه النعم من انحراف في الإيمان بالله تعالى ، أو في الموقف العبادي الذي تفرضه طبيعة هذا الإيمان.
ثالثا : أنّ القرآن الكريم بعد أن يختم هذا المقطع يأتي ليعالج المواقف الفعلية العدائية لبني إسرائيل من الدعوة ، ويربط هذه المواقف بالمواقف السابقة لهم بقوله تعالى :
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ... (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ)(٢).
وعلى أساس هذه الملاحظة يمكننا أن نقول : إنّ هذا المقطع جاء يستهدف غرضا مزدوجا وهو : تذكير بني إسرائيل بنعم الله المتعدّدة عليهم ، وذلك موعظة وعبرة لهم تجاه موقفهم الفعلي من ناحية ، ومن ناحية اخرى كشف الخصائص الاجتماعية والنفسية العامّة التي يتصف بها الشعب الإسرائيلي للمسلمين ؛ لئلّا يقع المسلمون في حالة الشك والريب في هذه المواقف ، فيتصور بعضهم أنّها تنجم من رؤية موضوعية تجاه الرسالة ، الأمر الذي جعل اليهود يتوقفون عن الإيمان بها ، خصوصا وأنّ اليهود هم أهل الكتاب في نظر عامة المسلمين ، فأراد القرآن هنا أن
__________________
(١) البقرة : ٤٠.
(٢) البقرة : ٧٥ ـ ١٢٢.