.................................................................................................
______________________________________________________
والأوصياء كيف يجزم العقل أو يظنّ أو يحتمل خلاف قولهم حتّى يتبع حكم العقل؟
وإن أراد متابعتهم في اتّباع العقل في الجملة ، بمعنى تقديم الحكم العقلي القطعي على الدليل الشرعيّ الظنّي ، فهو حقّ لا يعتريه شكّ ، إذ مع القطع بمراد الشارع من طريق العقل كيف يكلّف بخلاف قطعه؟ وإلّا لزم التناقض وتكليف الغافل ، كما أوضحناه في غير موضع.
وإن أراد متابعة الحكم العقلي الظنّي الذي لا مدرك له ، بل الدليل على خلافه ، كما يشهد به قوله : «فمدارهم على طرح الدلائل النقليّة والقول بما أدّت إليه الاستحسانات العقليّة ...» فنسبة ذلك إليهم أيضا خطأ سيّما في الاصولين ، ولا سيّما في اصول الدين. وقد نسب المحقّق وغيره عدم جواز العمل بالظنّ في اصول الفقه إلى المشهور ، فكيف ظنّك بعملهم بالقياس والاستحسان في الفروع فضلا عن الاصول؟ مع أنّ محمّد بن أحمد بن الجنيد أبا عليّ الكاتب الإسكافي ـ مع جلالة شأنه ، وجودة تصنيفه ، وكونه شيخا في الإماميّة ـ قد ترك الأصحاب كتبه ولم يعوّلوا عليها لأجل قوله بالقياس.
نعم ، ربّما تومئ كلمات بعضهم إلى العمل بمطلق الظنّ في الفقه ، كما يظهر من الشهيد في مقدّمات الذكرى في إلحاق المشهور بالمجمع عليه في الحجّية ، وفي مسألة استحباب التياسر في القبلة ، حيث تمسّك بالشهرة على ما نقل عنه في الرياض. ولكنّه خلاف طريقة الأكثر ، بل خلاف طريقة من يظهر منه ذلك ، مع أنّه لم يظهر منهم تقديم مطلق الظنّ على الخبر الثابت اعتباره بالخصوص.
وأمّا ثانيا : فإنّه مع عزل العقل عن الاعتبار بالكلّيّة فما الداعي إلى النظر إلى معجزة الأنبياء؟ ومع النظر وحصول القطع بنبوّته فما الباعث للالتزام بأحكامهم ومتابعة شرايعهم؟ فما وجه ذمّ الكفّار وتوبيخهم ، والحكم بخلودهم في النار ، واستحقاقهم سخط الملك الجبّار.