هكذا : إنّا لا نجد في عقولنا بعد التأمّل ما يوجب الاستحالة ، وهذا طريق يسلكه العقلاء في الحكم بالإمكان.
والجواب عن دليله الأوّل : أنّ الإجماع إنّما (١٥٢) قام على عدم الوقوع لا على الامتناع ، مع أنّ عدم الجواز قياسا على الإخبار عن الله تعالى ـ بعد
______________________________________________________
خلاف الفرض.
وقد تحصّل ممّا ذكرناه أنّ دعوى أصالة الإمكان في كلّ ما يشكّ في إمكانه وامتناعه خالية عن مستند صحيح. نعم ، لو ادّعي أنّ الأصل في كلّ ما يشكّ في إمكانه وامتناعه هو التوقّف ، بمعنى عدم ترتيب شيء من آثار الإمكان والامتناع ، كانت متّجهة ، لأنّ ذلك قضيّة حكم العقل. ثمّ إنّ المراد بالأولويّة في كلام المصنّف رحمهالله وإن كان هو المعنى المراد في آية أولي الأرحام ، إلّا أنّه لم يظهر من المصنّف رحمهالله اختيار ما قرّره ، بل العمدة في ذلك ما ذكره في ردّ ثاني دليلي ابن قبة ، فتدبّر.
هذا كلّه في تقرير الدليل على أصالة الإمكان في كلّ ما يشكّ في إمكانه وامتناعه. وقد يستدلّ على الإمكان في خصوص ما نحن فيه تارة بما تقدّم في بعض الحواشي السابقة عن العلّامة من دعوى الإجماع ، واخرى بالوقوع شرعا ، لأنّه أخصّ من الإمكان ، وذلك لوقوع التعبّد بالظنّ شرعا في الموضوعات الصرفة والمستنبطة والأحكام الكلّية. والاولى كالأمارات المعتبرة لتمييز الموضوعات المشتبهة ، كالبيّنة واليد والسوق ونحوها. والثانية كالاصول اللفظيّة الجارية في مقام تعيين المرادات ، كأصالة الحقيقة بعد العلم بالأوضاع ، وفي مقام تعيين الأوضاع عند الشكّ فيها ، كأصالة عدم النقل والاشتراك ، لأنّ هذه اصول معتبرة بإجماع العلماء ، وعليها بناء العرف من لدن آدم إلى يومنا هذا. والثالثة كتقليد الجاهل بالأحكام الشرعيّة العالم بها. وستقف على تتمّة الكلام في ذلك.
١٥٢. يظهر المراد بالإجماع هنا ممّا قدّمناه في مسألة التجرّي ، فراجع.