والأولى أن يقال : إنّه إن أراد امتناع التعبّد بالخبر في المسألة التي انسدّ فيها (١٥٦) باب العلم بالواقع ، فلا يعقل المنع عن العمل به فضلا عن امتناعه ؛ إذ مع فرض عدم التمكّن من العلم بالواقع إمّا أن يكون للمكلّف حكم (١٥٧) في تلك
______________________________________________________
١٥٦. بأن يريد امتناع التعبّد بالخبر في صورة الانسداد الأغلبي بالنسبة إلى الموارد التي انسدّ فيها باب العلم وليس المراد احتمال دعوى الاستحالة في خصوص كلّ مسألة انسدّ فيها باب العلم وإن لم يتحقّق هنا انسداد أغلبي كما ربّما يتوهّم من العبارة ، إذ لا دليل حينئذ على إرجاعه إلى العمل بما لا يفيد العلم من الأمارات والاصول ، لإمكان دعوى تعيّن العمل حينئذ بالاحتياط ، إذ المسلّم من عدم وجوبه إنّما هو في صورة الانسداد الأغلبي ، خلافا للمحقّق القمّي قدسسره ، كما سيجيء في محلّه إن شاء الله تعالى. وممّا يدلّ على إرادته ما ذكرناه قوله : «بل الظاهر أنّه يدّعي ...» لأنّ المدّعين للانفتاح لا ينكرون الانسداد في بعض الموارد ، وقد صرّح السيّد رحمهالله بذلك في بعض كلماته.
١٥٧. فيه تنبيه على أنّ المراد ببقاء التكليف عند تقرير دليل الانسداد ـ بانسداد باب العلم وبقاء التكليف بالضرورة ، كما هو الدائر على الألسنة ـ ليس بقاء التكليف بالأحكام الواقعيّة على ما هي عليها في الواقع ، لاستحالة بقائه كذلك ، لكونه تكليفا بما لا يطاق ، لفرض تعذّر العلم بها ، بل المراد توجّه تكليف إلى المكلّف عند الانسداد في مقابل كونه كالبهائم والمجانين ، وإن دار ذلك بين كونه هو العمل بالمظنونات والمشكوكات والموهومات والعمل بالاصول العمليّة والتقليد والقرعة ونحو ذلك ، ولذا يجب بعد إثبات الانسداد وبقاء التكليف بالمعنى المذكور تمهيد مقدّمة اخرى لإثبات نفي الاحتمالات المذكورة ما عدا العمل بالظنّ. ثمّ إنّ كوننا كالبهائم وإن كان ضروري البطلان ، كما سيجيء عند تقرير دليل الانسداد ، إلّا أنّ المصنّف رحمهالله لم يشر إلى بطلانه مماشاة مع الخصم وإلزاما له بما فرّ منه.