كون عدم الجواز بديهيّا عند العوامّ فضلا عن العلماء (٩). ومن العقل تقبيح العقلاء من يتكلّف من قبل مولاه بما لا يعلم بوروده عن المولى ولو كان جاهلا مع التقصير. نعم ، قد يتوهّم متوهّم : أنّ الاحتياط من هذا القبيل. وهو غلط واضح ؛ إذ فرق بين الالتزام بشيء من قبل المولى على أنّه منه مع عدم العلم بأنّه منه ، وبين الالتزام بإتيانه لاحتمال كونه منه أو رجاء كونه منه ، وشتّان ما بينهما ؛ لأنّ العقل يستقلّ بقبح الأوّل وحسن الثاني.
______________________________________________________
في النار وواحد في الجنّة. رجل قضى بجور وهو يعلم ، فهو في النار ورجل قضى بجور وهو لا يعلم أنّه قضى بجور ، فهو في النار. ورجل قضى بحقّ وهو لا يعلم ، فهو في النار. ورجل قضى بحقّ وهو يعلم ، فهو في الجنّة». وقال عليهالسلام : «الحكم حكمان : حكم الله عزوجل ، وحكم الجاهليّة ، فمن أخطأ حكم الله حكم حكم الجاهليّة». وفي النبويّ : «القضاة ثلاثة ، واحد في الجنّة واثنان في النار فالذي في الجنّة رجل عرف الحقّ وقضى به. واللذان في النار رجل عرف الحقّ فجار في الحكم ، ورجل قضى للناس على جهل» لظهورها في عدم كفاية مطابقة العمل للواقع في الفرار من النار ، بل لا بدّ فيه من العلم. وتتمّ الدلالة بعدم القول بالفصل بين القضاء والفتوى. وقوله عليهالسلام : «ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم» وكذا قوله : «ورجل قضى للناس على جهل» وإن شملا الجاهل القاصر أيضا ، إلّا أنّه لا بدّ من تخصيصهما ـ كسائر الآيات والأخبار المستدلّ بها على المقام ـ بالجاهل المقصّر.
وقال عليهالسلام فيما رواه في الكافي : «إنّ أدنى الشرك أن تقول للنواة حصاة وللحصاة نواة ، فتدين به». ووجه الدلالة : أنّ الحكم بكون النواة حصاة وبالعكس كناية عن أدنى القول بما يخالف الواقع ، وقد جعل التديّن به بمثابة الشرك. ولا ريب أنّ المظنون لم يعلم كونه من الحقّ الثابت المتلقّى من الشارع ، فتكون نسبته إليه والتديّن به مع المخالفة للواقع حراما ، وكذا مع الموافقة له ، لعدم الفصل.