والحاصل : أنّ المحرّم (١٨٦) هو العمل بغير العلم متعبّدا به ومتديّنا به.
______________________________________________________
١٨٦. اعلم أنّ العمل بالظنّ ـ على ما يظهر من كلامه ـ على وجوه ، أحدها : أن يعمل به على وجه التعبّد والتديّن به. وثانيها : أن يعمل به لرجاء مطابقته بالواقع. وثالثها : أن يعمل به ـ بمعنى جعل الأفعال على طبقه ـ من دون تديّن به ، ولا بعنوان احتمال المطابقة للواقع ، بل من باب عدم المبالاة بالأحكام والاقتراح والتشهّي فيها. وهذه الأقسام مختلفة في الحكم.
أمّا الأوّل فهو حرام مطلقا. وهو مورد للأدلّة الأربعة التي أقامها لحرمة العمل بالظنّ ، لعدم شمولها للقسمين الآخرين كما هو ظاهر كلامه أيضا. ووجهه واضح ، إذ غايتها إثبات حرمة التشريع ، وهو غير متحقّق في الآخرين ، لاختصاصه بصورة التديّن.
فإن قلت : كيف تدّعي اختصاص مؤدّاها بإثبات حرمة التشريع؟ وهو ـ على ما ذكروه ـ عبارة عن إدخال ما ليس من الدين فيه بقصد أنّه منه ، ولا ريب أنّ القصد إلى إدخال ما ليس منه فيه لا يتحقّق إلّا بعد العلم بعدم كونه منه ، والفرض عدم العلم بعدم كون المظنون منه ، كيف لا وهو لا يجتمع مع الظنّ بكونه منه ، ولا أقلّ من اعتبار عدم مطابقة المظنون بالواقع في صدق عنوان التشريع ، وإلّا فلا يصدق قولهم «ما ليس من الدين» لكون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعيّة دون المعلومة أو المظنونة. ولا ريب أنّ الظانّ كما تحتمل مخالفة عمله للواقع ، كذلك تحتمل مطابقة به ، ومع الشكّ يحكم بجوازه ، لأصالة البراءة ، فيكون مقتضى الأصل جواز العمل بالظنّ.
قلت : أمّا دعوى اشتراط العلم في تحقّق موضوع التشريع فهي ممنوعة ، كيف والعلم بعدم كون المدخل من الدين لا يجتمع مع الحكم والإذعان بكونه منه كما حكي عن جمال المحقّقين ، إذ الشرع ليس إلّا أحكاما مخصوصة ، فمن يعلم أنّ الحكم الفلان ليس ممّا جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله فكيف يحكم بأنّه من جملة ما جاء به؟