فإذا هو يظن أنّ اللام التي تصحب «إن» المخففة من الثقيلة هي لام الابتداء. قلت : لا تعجب ، فأكثر من ترى هكذا.
وروي عن علي وغيره : أن المشار إليهم بقوله : (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ) نمرود الذي حاجّ إبراهيم في ربه ، وكان من قصته أنه قال : إن كان ما يقول إبراهيم حقا فلا أنتهي حتى أعلم ما في السماء ، فأمر بفرخي نسر ـ وروي عنه أيضا وعن ابن عباس : أربعة أفراخ ـ وعلفها اللحم حتى استفحلت ، ثم أمر بتابوت فنحت وجعل في وسطه خشبة وجعل على رأسها لحما ، ثم جوعها وربط أرجلها إلى أوتار إلى قوائم التابوت ، ودخل هو وصاحب له في التابوت ، وجعل له بابين أعلا وأسفل وأغلقهما ، ثم أرسلها فجعلت تريد اللحم ، فصعدت ما شاء الله ، ثم قال لصاحبه : افتح الباب الأعلى وانظر ما ذا ترى ، وهل قربنا من السماء؟ ففتح ونظر فقال : إن السماء كهيئتها ، ثم قال : افتح الباب الأسفل فانظر كيف ترى الأرض؟ ففعل فقال : أرى الأرض مثل اللجة البيضاء ، والجبال مثل الدخان ، فقال : أغلق الباب ، ثم صعد ما شاء الله ، ثم قال له : افتح فانظر ، ففتح فقال : أرى السماء كهيئتها ، والأرض سوداء مظلمة ، ونودي : أيتها الطاغية! أين تريد؟ (١).
قال السدي عن أشياخه : ما زال يصعد حتى رأى الأرض يحيط بها بحر فكأنها فلكة في ماء ، ثم صعد حتى وقع في ظلمة فلم يدر ما فوقه وما تحته (٢).
قال عكرمة : كان معه غلام قد حمل القوس والنشاب ، فرمى بسهم ، فأعادته
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٣ / ٢٤٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢٢٥٢). وذكره السيوطي في الدر (٥ / ٥٤) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري.
(٢) زاد المسير (٤ / ٣٧٣).