فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٢٧)
وما بعده مفسّر إلى قوله تعالى : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) يعني : الحواريين وأتباعهم (رَأْفَةً) وقد ذكرنا فيما مضى أنها أبلغ الرحمة ، (وَرَهْبانِيَّةً) منصوب بفعل مضمر يفسّره ما بعده (١) ، تقديره : ابتدعوها من قبل أنفسهم ؛ تقربا إلينا ، ابتدعوها ونذروها.
(ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ) أي : ما فرضناها وأوجبناها عليهم ، (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) استثناء منقطع ، أي : [ولكنهم](٢) ابتدعوها ابتغاء رضوان الله.
قال ابن مسعود : كنت رديف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على حمار فقال : يا ابن أم عبد! هل تدري من أين اتخذت بنو إسرائيل هذه الرهبانية؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى عليهالسلام ، يعملون بمعاصي الله ، فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم ، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات ، فلم يبق منهم إلا القليل ، فقالوا : إن [ظهرنا لهؤلاء](٣) أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه ، فتعالوا نتفرّق في
__________________
(١) وهو ما ذهب إليه الزمخشري في الكشاف (٤ / ٤٧٩) ، وأبو البقاء في التبيان (٢ / ٢٥٧) ، فهو من باب الاشتغال.
وردّ أبو حيان في البحر (٨ / ٢٢٦) هذا الإعراب من حيث الصناعة ، وقال : وهذا إعراب المعتزلة ، لأن مثل هذا هو مما يجوز فيه الرفع بالابتداء ، ولا يجوز الابتداء هنا بقوله : " ورهبانية" لأنها نكرة لا مسوغ لها من المسوغات للابتداء بها ، فلا يصلح نصبها على الاشتغال.
(٢) في الأصل : ولكونهم. والتصويب من ب.
(٣) في الأصل : ظهروا هؤلاء ، والمثبت من ب ، ومصادر التخريج.