الأرض إلى أن يبعث الله النبي الذي وعدنا عيسى ـ يعنون : محمدا صلىاللهعليهوسلم ـ ، فتفرقوا في غيران الجبال وأحدثوا الرهبانية ، فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ، ثم تلا هذه الآية : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) ... الآية ، (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ) أي : الذين ثبتوا عليها (أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ). ثم قال النبي صلىاللهعليهوسلم : يا ابن أم عبد : تدري ما رهبانية أمّتي؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : الهجرة والجهاد والصلاة والصوم والحج والعمرة والتكبير على التّلاع (١).
قوله تعالى : (فَما رَعَوْها) يعني : جميعهم (حَقَّ رِعايَتِها) بل فرطوا فيما وجب عليهم بالتزامهم وإن لم يكن واجبا بأصل الشرع ، كما لو نذر الواحد منا في شريعتنا فعل عبادة لا تلزمه ، فإنه يصير لازما له بالتزامه ونذره ، كذلك أولئك نذروا والتزموا فعل الرهبانية ، فلما ضيّعوا وفرّطوا عاب الله عليهم ذلك (٢).
وقيل : إن منهم من بدّل وغيّر الدين الذي جاء به عيسى عليهالسلام.
وقيل : الإشارة بقوله : " فمارعوها" إلى الأتباع لا إلى المتبوعين الذين كانوا الأصل في الرهبانية. وهذا المعنى منقول عن ابن عباس (٣).
(فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) ثبتوا على إيمانهم ، وتمسكوا بقوانين دينهم وشريعة نبيهم ، إلى أن بعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، (أَجْرَهُمْ) ثواب إيمانهم وطاعتهم ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)
__________________
(١) أخرجه الثعلبي (٩ / ٢٤٧ ـ ٢٤٨).
(٢) قال ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٧٦ ـ ١٧٧) : قال القاضي أبو يعلى : والابتداع قد يكون بالقول ؛ وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه ، وقد يكون بالفعل بالدخول فيه. وعموم الآية تتضمن الأمرين. فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها.
(٣) أخرجه الطبري (٢٧ / ٢٣٩). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٨ / ١٧٧).