وقرأ الباقون" يرسل" ، " فيوحي" بالنصب فيهما (١) ، حملا على معنى المصدر ؛ لأن قوله : (إِلَّا وَحْياً) معناه : إلا أن يوحي ، فيعطف" أو يرسل" على أن يوحي.
فإن قيل : هل يجوز أن يكون معطوفا على" أن يكلمه الله"؟
قلت : كلا ؛ لأن معناه على هذا التقدير : وما كان لبشر أن يرسل رسولا ، أو أن يرسله الله رسولا. والمعنيان فاسدان.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) أي : وكما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك روحا ، وهو القرآن ، وسائر ما أوحيناه إليه سمي روحا ؛ لأنه حياة القلوب.
قال مقاتل (٢) : وحيا بأمرنا.
(ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) قال ابن قتيبة ومحمد بن إسحاق بن خزيمة وأكثر المحققين (٣) : ما كنت تدري ما القرآن وشرائع الإيمان ، فإن شرائع الإيمان تسمى إيمانا. قال الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) [البقرة : ١٤٣] يريد : صلاتكم.
ولا بد من هذا التقدير ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يشرك بالله طرفة عين ، ولا جهل التوحيد.
قال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه : من زعم أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان
__________________
(١) الحجة للفارسي (٣ / ٣٦٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٤٤) ، والكشف (٢ / ٢٥٣) ، والنشر (٢ / ٣٦٨) ، والإتحاف (ص : ٣٨٤) ، والسبعة (ص : ٥٨٢).
(٢) تفسير مقاتل (٣ / ١٨٣).
(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٤ / ٦١) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٢٩٨).