بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٢٨٣) لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٨٤) آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا
________________________________________________________
أمر الله تعالى بكتب الدين : جعل الرهن توثيقا للحق ، عوضا عن الكتابة ، حيث تتعذر الكتابة في السفر ، وقال الظاهرية : لا يجوز الرهن إلّا في السفر لظاهر الآية. وأجازه مالك وغيره في الحضر لأن النبي صلىاللهعليهوسلم رهن درعه بالمدينة (فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) يقتضي بينونة المرتهن بالرهن ، وأجمع العلماء على صحة قبض المرتهن وقبض وكيله. وأجاز مالك والجمهور وضعه على يد عدل ، والقبض للرهن شرط في الصحة عند الشافعي وغيره ، لقوله تعالى : (مَقْبُوضَةٌ) وهو عند مالك شرط كمال لا صحة (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) الآية : أي إن أمن صاحب الحق المدين لحسن ظنه به ، فليستغن عن الكتابة وعن الرهن ، فأمر أولا بالكتابة ، ثم بالرهن ثم بالائتمان ، فللدين ثلاثة أحوال ثم أمر المديان بأداء الأمانة ، ليكون عند ظن صاحبه به (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ) محمول على الوجوب (فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) معناه : قد تعلق به الإثم اللاحق من المعصية في كتمان الشهادة ، وارتفع آثم بأنه خبر إن ، وقلبه فاعل به ، ويجوز أن يكون قلبه مبتدأ ، وآثم خبره ، وإنما أسند الإثم إلى القلب وإن كان جملة الكاتم هي الآثمة ، لأن الكتمان من فعل القلب ، إذ هو يضمرها ، ولئلا يظن أن كتمان الشهادة من الآثام المتعلقة باللسان (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) الآية : مقتضاها المحاسبة على ما في نفوس العباد من الذنوب ، سواء أبدوه أم أخفوه ، ثم المعاقبة على ذلك لمن يشاء الله أو الغفران لمن شاء الله ، وفي ذلك إشكال لمعارضته لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها» (١) ، ففي الحديث الصحيح عن أبي هريرة : أنه لما نزلت شق ذلك على الصحابة وقالوا هلكنا إن حوسبنا على خواطر أنفسنا ، فقال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم : «قولوا سمعنا وأطعنا» ، فقالوها ، فأنزل الله بعد ذلك : لا يكلف الله نفسا إلّا وسعها ، فكشف الله عنهم الكربة ، ونسخ بذلك هذه الآية ، وقيل : هي في معنى كتم الشهادة وإبدائها ، وذلك محاسب به ، وقيل يحاسب الله خلقه على ما في نفوسهم ، ثم يغفر للمؤمنين ويعذب الكافرين والمنافقين ، والصحيح التأويل الأوّل لوروده في الصحيح ، وقد ورد أيضا عن ابن عباس وغيره ، فإن قيل : إنّ الآية خبر والأخبار لا يدخلها النسخ ، فالجواب : أنّ النسخ إنما وقع في المؤاخذة والمحاسبة وذلك حكم يصح دخول النسخ فيه ، فلفظ الآية خبر ، ومعناها حكم (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ) قرئ بجزمهما عطفا على يحاسبكم وبرفعهما (٢) على تقدير فهو يغفر(آمَنَ
__________________
(١). أخرجه أحمد عن أبي هريرة ج ٢ ص ٥٦١ وفيه : ما لم تكلم به.
(٢). قرأ عاصم وابن عامر بالرفع والباقون بالجزم عطفا على : يحاسبكم.