وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا
________________________________________________________
(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الآية : استدعاء لهم كملاطفة أو توبيخ على ترك الإيمان والإنفاق ، كأنه يقول أي مضرة عليهم في ذلك (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي وزنها ، وهي النملة الصغيرة ، وذلك تمثيل بالقليل تنبيها على الكثير (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً) بالرفع فاعل (١) ، وتك تامة ، وبالنصب خبر على أنها ناقصة واسمها مضمر فيها (يُضاعِفْها) أي يكثرها واحد البرّ بعشر إلى سبعمائة أو أكثر (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ) أي من عنده تفضلا وزيادة على ثواب العمل (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا) تقديره : كيف يكون الحال إذا جئنا (بِشَهِيدٍ) هو نبيهم يشهد عليهم بأعمالهم (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) أي تشهد على قومك ، ولما قرأ ابن مسعود هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذرفت عيناه (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) أي يتمنون أن يدفنوا فيها ، ثم تسوّى بهم كما تسوّى بالموتى وقيل : يتمنون أن يكونوا سواء مع الأرض كقوله : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [عمّ : ٤٠] وذلك لما يرون من أهوال يوم القيامة (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) استئناف إخبار أنهم لا يكتمون يوم القيامة عن الله شيئا فإن قيل : كيف هذا مع قولهم : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ؟) [الأنعام : ٢٣] فالجواب من وجهين : أحدهما : أن الكتم لا ينفعهم لأنهم إذا كتموا تنطق جوارحهم ، فكأنهم لم يكتموا ، والآخر : أنهم طوائف مختلفة ، ولهم أوقات مختلفة ، وقيل إن قوله : ولا يكتمون عطف على تسوّى أي يتمنون أن لا يكتموا لأنهم إذا كتموا افتضحوا (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) سببها أن جماعة من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها ، ثم قاموا إلى الصلاة وأمّهم أحدهم فخلط في القراءة فمعناها النهي عن الصلاة في حال السكر. قال بعض الناس : هي منسوخة بتحريم الخمر ، وذلك لا يلزم لأنها ليس فيها ما يقتضي إباحة الخمر ، إنما هي نهي عن الصلاة في حال السكر ، وذلك الحكم الثابت في حين إباحة الخمر وفي حين تحريمها ، وقال بعضهم : معناها ؛ لا يكن منكم سكر يمنع قرب الصلاة ، إذ المرء مأمور بالصلاة فكأنها تقتضي النهي عن السكر وعن سببه وهو الشرب ، وهذا بعيد من مقتضى اللفظ (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) حتى تعود إليكم عقولكم فتعلمون ما تقرؤون ، ويظهر من هذا أن السكر أن لا يعلم ما يقول ؛ فأخذ بعض الناس من ذلك أنّ السكران لا يلزم طلاقه ولا إقراره (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) عطف ولا جنبا على موضع وأنتم سكارى ، إذ هو في موضع الحال والجنب هنا غير الطاهر بإنزال أو إيلاج ؛ وهو واقع على
__________________
(١). حسب قراءة المؤلف وهي قراءة نافع.