الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤)
________________________________________________________
الماء وأنه لا يجوز للحاضر الصحيح إذا عدم الماء ، ولكن يؤخذ جواز التيمم له من موضع آخر ، والراجح أن تكون أو على بابها لوجهين ؛ أحدهما أن جعلها بمعنى الواو إخراج لها عن أصلها وذلك ضعيف ، والآخر إن كانت على بابها : كان فيها فائدة إباحة التيمم للحاضر الصحيح إذا عدم الماء على ما ظهر لنا فيها ، وإذا كانت بمعنى الواو لم تعط هذه الفائدة ، وحجة من جعلها بمعنى الواو أنه لو جعلها على بابها لاقتضى المعنى أن المرض والسفر حدث يوجب الوضوء كالغائط لعطفه عليها. وهذا لا يلزم ، لأن العطف بأو هنا للتنويع والتفصيل. ومعنى الآية كأنه قال : يجوز لكم التيمم إذا لم تجدوا ماء إن كنتم مرضى أو على سفر ، وأحدثتم في غير مرض ولا سفر (الْغائِطِ) أصله المكان المنخفض ، وهو هنا كناية عن الحدث الخارج من المخرجين ، وهو العذرة ، والريح ، والبول ، لأن من ذهب إلى الغائط يكون منه هذه الأحداث الثلاث ، وقيل : إنما هو كناية عن العذرة ، وأما البول والريح ، فيؤخذ وجوب الوضوء لهما من السنة ، وكذلك الودي والمذي.
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) اختلف في المراد بالملامسة هنا على ثلاثة أقوال ؛ أحدها : أنها الجماع وما دونه من التقبيل واللمس باليد وغيرها ، وهو قول مالك ، فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس الذي هو دون الجماع على تفصيل في المذهب ، ويجب معه التيمم إذا عدم الماء ، ويكون الجنب من أهل التيمم ، والقول الثاني : أنها ما دون الجماع ، فعلى هذا ينتقض الوضوء باللمس ، ولا يجوز التيمم للجنب ، وقد قال بذلك عمر بن الخطاب. ويؤخذ جوازه من الحديث. والثالث : أنها الجماع ؛ فعلى هذا يجوز التيمم للجنب ، ولا يكون ما دون الجماع ناقضا للوضوء وهو مذهب أبي حنيفة (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) هذا يفيد وجوب طلب الماء وهو مذهب مالك ، خلافا لأبي حنيفة فإن وجده بثمن فاختلف هل يجوز له التيمم أم لا ، وإن وهب له فاختلف هل يلزم قبوله أم لا (فَتَيَمَّمُوا) التيمم في اللغة : القصد ، وفي الفقه : الطهارة بالتراب ، وهو منقول من المعنى اللغوي (صَعِيداً طَيِّباً) الصعيد عند مالك هو وجه الأرض ، كان ترابا أو رملا أو حجارة فأجاز التيمم بذلك كله ، وهو عند الشافعي التراب لا غير ، والطيب هنا الطاهر. واختلف في التيمم بالمعادن كالذهب وبالملح وبالتراب المنقول كالمجعول في طبق ، وبالآجر ، وبالجص المطبوخ ، وبالجدار ، وبالنبات الذي على وجه الأرض ، وذلك كله على الاختلاف في معنى الصعيد (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) لا يكون التيمم إلّا في هذين العضوين ، ويقدم الوجه على اليدين لظاهر الآية ، وذلك على الندب عند مالك ، ويستوعب الوجه بالمسح ، وأما اليدان فاختلف هل يمسحهما إلى الكوعين ، أو إلى المرفقين؟ ولفظ الآية محتمل ، لأنه لم يحد ، وقد احتج من قال إلى المرفقين بأن هذا مطلق ، فيحمل على المقيّد ، وهو تحديدها في الوضوء بالمرفقين (الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) هم اليهود هنا ، وفي الموضع الثاني قال