الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٧٧) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (٧٨) مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٧٩) مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (٨٠) وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِندِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
________________________________________________________
وهو أليق في سياق الكلام (مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) وما بعده تحقير الدنيا فتضمن الرد عليهم في كراهتهم للموت (فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) أي في حصون منيعة ، وقيل : المشيدة المطولة وقيل المبنية بالشيد وهو الجص (إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ) الحسنة هنا : النصر والغنيمة وشبه ذلك من المحبوبات ، والسيئة : الهزيمة والجوع وشبه ذلك ، والضمير في تصبهم وفي يقولوا للذين قيل لهم : كفوا أيديكم ، وهذا يدل على أنها في المنافقين ، لأن المؤمنين لا يقولون للنبي صلىاللهعليهوسلم إنّ السيئات من عنده (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) رد على من نسب السيئة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإعلام أن السيئة والحسنة والخير والشر من عند الله أي بقضائه وقدره (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ) توبيخ لهم على قلة فهمهم (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) خطاب للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ والمراد به كل مخاطب على الإطلاق ، فدخل فيه غيره من الناس ، وفيه تأويلان : أحدهما : نسبة الحسنة إلى الله ، والسيئة إلى العبد تأدبا مع الله في الكلام ، وإن كان كل شيء منه في الحقيقة ، وذلك كقوله عليه الصلاة والسلام : «والخير كله بيديك والشر ليس إليك» (١) وأيضا : فنسبة السيئة إلى العبد لأنها بسبب ذنوبه ، لقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٤٢] ، فهي من العبد بتسببه فيها ، ومن الله بالخلقة والاختراع ، والثاني : أن هذا من كلام القوم المذكورين قبل ، والتقدير يقولون : كذا فمعناها كمعنى التي قبلها (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) هذه الآية من فضائل رسول الله صلّى الله عليه وعلى اله وسلّم ، وإنما كانت طاعته كطاعة الله لأنه يأمر وينهى عن الله (وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي من أعرض عن طاعتك ، فما أنت عليه بحفيظ تحفظ أعماله ، بل حسابه وجزاؤه على الله ، وفي هذا متاركة وموادعة منسوخة بالقتال (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ) أي أمرنا وشأننا طاعة لك ، وهي في المنافقين بإجماع (بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) بيت أي : تدبر الأمر بالليل ، والضمير في (تَقُولُ) للمخاطب ، وهو النبي صلّى الله تعالى عليه
__________________
(١). هذه الجملة من دعاء نبوي ورد في الصحيحين عن علي بن أبي طالب وأوله : اللهم أنت الملك لا إله إلّا أنت أنت ربي وأنا عبدك. انظر صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء. الجمع بين الصحيحين للصاغاني.