وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (٩٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (٩٤) لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
________________________________________________________
واله وسلّم بقتله ، والمتعمد عند الجمهور هو الذي يقصد القتل بحديدة أو حجر أو عصا أو غير ذلك ، وهذه الآية معطلة على مذهب الأشعرية وغيرهم ممن يقول : لا يخلد عصاة المؤمنين في النار ، واحتج بها المعتزلة وغيرهم ممن يقول بتخليد العصاة في النار لقوله : خالدا فيها وتأولها الأشعرية بأربعة أوجه : أحدها : أن قالوا إنها في الكافر إذا قتل مؤمنا ، والثاني : قالوا معنى المتعمد هنا المستحل للقتل ، وذلك يؤول إلى الكفر ، والثالث : قالوا الخلود فيها ليست بمعنى الدوام الأبدي ، وإنما هو عبارة عن طول المدة ، والرابع : أنها منسوخة بقوله تعالى : إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وأما المعتزلة فحملوها على ظاهرها ورأوا أنها ناسخة لقوله : ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، واحتجوا على ذلك بقول زيد بن ثابت نزلت الشديدة بعد الهينة وبقول ابن عباس : الشرك والقتل من مات عليهما خلد ، وبقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «كل ذنب عسى الله أن يغفره ، إلّا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» (١) ، وتقتضي الآية وهذه الآثار أن للقتل حكما يخصه من بين سائر المعاصي ، واختلف الناس في القاتل عمدا إذا تاب ، هل تقبل توبته أم لا؟ وكذلك حكى ابن رشد الخلاف في القاتل إذا اقتص منه هل يسقط عنه العقاب في الآخرة أم لا؟ والصحيح أنه يسقط عنه ، لقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة» (٢) ، وبذلك قال جمهور العلماء (ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي سافرتم في الجهاد (فَتَبَيَّنُوا) من البيان وقرأ حمزة والكسائي بالثاء المثلثة من الثبات والتفعل فيها بمعنى الاستفعال (٣) أي اطلبوا بيان الأمر وثبوته (أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ) بغير ألف أي انقاد وألقى بيده ، وقرأ نافع وغيره السلام بمعنى التحية ، ونزلت في سرية لقيت رجلا فسلم عليهم ، وقال : لا إله إلّا الله محمد رسول الله ، فحمل عليه أحدهم فقتله ، فشق ذلك على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان القاتل علم بن جثامة والمقتول عامر بن الأغبط ، وقيل : القاتل أسامة بن زيد والمقتول مرداس بن نهيك (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني الغنيمة ، وكان للرجل المقتول غنم (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) وعد وتزهيد في غنيمة من أظهر الإسلام (كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ) قيل : معناه كنتم كفارا فهداكم الله للإسلام ، وقيل : كنتم تخفون إيمانكم من قومكم (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ) بالعزة والنصر حتى أظهرتموه (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الآية : معناها تفضيل المجاهدين على من لم
__________________
(١). رواه أحمد ج ٤ ص ١٣٨ عن معاوية وذكر في التيسير أنه رواه أبو داود والنسائي عن أبي الدرداء.
(٢). ذكره في التيسير وعزاه لأحمد عن خزيمة بن ثابت وفي سنده اضطراب.
(٣). فثبتوا.