ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا
________________________________________________________
وأكل السبع ، والمعنى : حرمت عليكم هذه الأشياء ، لكن ما ذكيتم من غيرها ، فهو حلال ، وهذا قول ضعيف ، لأنها إن ماتت بهذه الأسباب ، فهي ميتة فقد دخلت في عموم الميتة فلا فائدة لذكرها بعدها ، وقيل : إنه استثناء متصل ، وذلك إن أريد بالمخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب وأدركت ذكاته ، والمعنى على هذا : إلى ما أدركتم ذكاته من هذه الأشياء فهو حلال ، ثم اختلف أهل هذا القول هل يشترط أن تكون لم تنفذ مقاتلها أم لا؟ وأما إذا لم تشرف على الموت من هذه الأسباب ، فذكاتها جائزة باتفاق (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) عطف على المحرمات المذكورة ، والنصب حجارة كان أهل الجاهلية يعظمونها ويذبحون عليها ، وليست بالأصنام لأن الأصنام مصوّرة والنصب غير مصوّرة وهي الأنصاب ، والمفرد نصاب ، وقد قيل : إن النصب بضمتين مفرد ، وجمعه أنصاب (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) عطف على المحرمات أيضا ، والاستقسام. هو طلب ما قسم له ، والأزلام هي السهام. واحدها زلم بضم الزاي وفتحها ، وكانت ثلاثة قد كتب على أحدها : افعل ، وعلى الآخر : لا تفعل ، والثالث مهمل ، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أمرا جعلها في خريطة كيس ، وأدخل يده وأخرج أحدها ، فإن خرج له الذي فيه افعل : فعل ما أراد ، وإن خرج له الذي فيه لا تفعل تركه ، وإن خرج المهمل أعاد الضرب (ذلِكُمْ فِسْقٌ) الإشارة إلى تناول المحرمات المذكورة كلها ، أو إلى الاستقسام بالأزلام ، وإنما حرمه الله وجعله فسقا : لأنه دخول في علم الغيب الذي انفرد الله به ، فهو كالكهانة وغيرها مما يرام به الاطلاع على الغيوب (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) أي يئسوا أن يغلبوه ويطلبوه ، ونزلت بعد العصر من يوم الجمعة يوم عرفة في حجة الوداع ، فذلك هو اليوم المذكور لظهور الإسلام فيه وكثرة المسلمين ، ويحتمل أن يكون الزمان الحاضر لا اليوم بعينه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) هذا الإكمال يحتمل أن يكون بالنصر والظهور أو بتعليم الشرائع وبيان الحلال والحرام (فَمَنِ اضْطُرَّ) راجع إلى المحرمات المذكورة قبل هذا ، أباحها الله عند الاضطرار (فِي مَخْمَصَةٍ) في مجاعة (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ) هذا بمعنى غير باغ ولا عاد وقد تقدم في البقرة (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قام مقام فلا جناح عليه ، وتضمن زيادة الوعد.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) سببها أن المسلمين سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم عما يحل لهم من المأكل؟ وقيل : لما أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل الكلاب ، سألوه ماذا يحل لنا من الكلاب؟ فنزلت مبينة للصيد بالكلاب (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) هي عند مالك الحلال ، وذلك ممّا لم يرد تحريمه في كتاب ولا سنة وعند الشافعي : الحلال المستلذ ، فحرم كل مستقذر كالخنافس والضفادع وشبهها لأنها من الخبائث (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) عطف على