فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (١١٢)
________________________________________________________
الكاف أيضا ، لأنها بمعنى مثل وإن شئت قلت : هو في الموضعين عائد على الموصوف المحذوف الذي وصف بقوله كهيئة فتقديره في التأنيث صورة ، وفي التذكير شخصا أو خلقا وشبه ذلك ، وقيل : المؤنث يعود على الهيئة والمذكر يعود على الطير ، والطين ، وهو بعيد في المعنى (بِإِذْنِي) كرره مع كل معجزة ردّا على من نسب الربوبية إلى عيسى (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ) يعني اليهود حين همّوا بقتله فرفعه الله إليه (وَإِذْ أَوْحَيْتُ) معطوف على ما قبله ، فهو من جملة نعم الله على عيسى والوحي هنا يحتمل أن يكون وحي إلهام أو وحي كلام (وَاشْهَدْ) يحتمل أن يكون خطابا لله تعالى أو لعيسى عليهالسلام (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) نداؤهم له باسمه : دليل على أنهم لم يكونوا يعظمونه كتعظيم المسلمين لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فإنهم كانوا لا ينادونه باسمه ، وإنما يقولون : يا رسول الله يا نبي الله ، وقولهم ابن مريم : دليل على أنهم كانوا يعتقدون فيه الاعتقاد الصحيح من نسبته إلى أمّ دون والد ، بخلاف ما اعتقده النصارى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) ظاهر هذا اللفظ أنهم شكّوا في قدرة الله تعالى على إنزال المائدة وعلى هذا أخذه الزمخشري ، وقال ما وصفهم الله بالإيمان ، ولكن حكى دعواهم في قولهم : آمنا. وقال ابن عطية وغيره : ليس كذلك لأنهم شكوا في قدرة الله ، لكنه بمعنى هل يفعل ربك هذا ، وهل يقع منه إجابة إليه ، وهذا أرجح ، لأن الله أثنى على الحواريين في مواضع من كتابه ، مع أنّ في اللفظ بشاعة تنكر ، وقرئ تستطيع (١) بتاء الخطاب ربك بالنصب أي هل تستطيع سؤال ربك ، وهذه القراءة لا تقتضي أنهم شكوا ، وبها قرأت عائشة رضي الله عنها ، وقالت : كان الحواريون أعرف بربهم من أن يقولوا : هل يستطيع ربك (أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) موضع أن مفعول بقوله يستطيع على القراءة بالياء ، ومفعول بالمصدر ، وهو السؤال المقدّر على القراءة بالتاء ، والمائدة هي التي عليها طعام ، فإن لم يكن عليها طعام فهي خوان (قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقوله لهم : اتقوا الله ؛ يحتمل أن يكون زجرا عن طلب المائدة ، واقتراح الآيات ، ويحتمل أن يكون زجرا عن الشك الذي يقتضيه قولهم : هل يستطيع ربك على مذهب الزمخشري ، أو عن البشاعة التي في اللفظ وإن لم يكن فيه شك ، وقوله : إن كنتم مؤمنين : هو على ظاهره على مذهب الزمخشري ، وأما على مذهب ابن عطية وغيره ، فهو تقرير لهم كما تقول : افعل كذا إن كنت رجلا ، ومعلوم أنه رجل ، وقيل : إنّ هذه
__________________
(١). وهي قراءة الكسائي فقط.