الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (٣) وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٥) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (٧) وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (٨) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (٩)
________________________________________________________
في السموات والأرض بعلمه كقوله : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] ، والأول أرجح وأفصح ؛ لأنّ اسم الله جامع للصفات كلها من العلم والقدرة والحكمة ، وغير ذلك ، فقد جمعها مع الإيجاز ، ويترجح الثاني بأن سياق الكلام في اطلاع الله تعالى وعلمه ، لقوله بعدها : يعلم سركم وجهركم ، وقيل : يتعلق بمحذوف تقديره : المعبود في السموات وفي الأرض وهذا المحذوف صفة لله : واسم الله على هذا القول ، وعلى الأول هو خبر المبتدأ ، وأما إذا كان المجرور الخبر فاسم الله بدل من الضمير (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) من الأولى زائدة ، والثانية للتبعيض ، أو لبيان الجنس (بِالْحَقِ) يعني ما جاء به محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ) الآية : وعيد بالعذاب والعقاب على استهزائهم (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا) حض للكفار على الاعتبار بغيرهم ، والقرن مائة سنة ، وقيل سبعون ، وقيل أربعون (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) الضمير عائد على القرن ، لأنه في معنى الجماعة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) الخطاب لجميع أهل ذلك العصر من المؤمنين والكافرين (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) السماء هنا المطر والسحاب أو السماء حقيقة ، ومدرارا : بناء مبالغة وتكثير من قولك درّ المطر إذا غزر (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) التقدير : فكفروا وعصوا فأهلكناهم ، وهذا تهديد للكفار أن يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء على حال قوتهم وتمكينهم (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) الآية : إخبار أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم أوضح الآيات ، والمراد بقوله : (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) لو بالغوا في تمييزه وتقليبه ليرتفع الشك لعاندوا بذلك ، يشبه أن يكون سبب هذه الآية قول بعضهم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا أومن بك حتى تأتي بكتاب من السماء يأمرني بتصديقك ، وما أراني مع هذا أصدقك (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) حكاية عن طلب بعض العرب ، وروي أن العاصي بن وائل ، والنضر بن الحارث ، وزمعة بن الأسود والأسود بن عبد يغوث قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : يا محمد ، لو كان معك ملك (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) قال ابن عباس : المعنى ؛ لو أنزلنا ملكا فكفروا بعد ذلك لعجل لهم العذاب ، ففي الكلام على هذا حذف ، وقضي الأمر على هذا : تعجيل أخذهم ، وقيل : المعنى لو أنزلنا ملكا لماتوا من هول رؤيته ، فقضي الأمر على هذا : موتهم (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) أي لو جعلنا الرسول ملكا لكان في صورة رجل ، لأنهم لا