سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ
________________________________________________________
هذا مصدر لقوله وأورثناها بني إسرائيل (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ) الآيات : يحتمل هنا أن يراد بها القرآن وغيره من الكتب أو العلامات والبراهين ، والصرف يراد به حدّهم عن فهمها وعن الإيمان بها عقوبة لهم على تكبرهم ، وقيل : الصرف منعهم من إبطالها (وَلِقاءِ الْآخِرَةِ) يجوز أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول به أي : ولقاؤهم الآخرة ، أو من إضافة المصدر إلى الظرف (وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى) هم بنو إسرائيل (مِنْ بَعْدِهِ) أي من بعد غيبته في الطور (مِنْ حُلِيِّهِمْ) بضم الحاء والتشديد جمع حلى نحو ثدي وثدي ، وقرئ (١) بكسر الحاء للإتباع ، وقرئ بفتح الحاء وإسكان اللام ، والحلي هو اسم ما يتزين به من الذهب والفضة (جَسَداً) أي جسما دون روح ، وانتصابه على البدل (لَهُ خُوارٌ) الخوار هو : صوت البقر ، وكان السامري قد قبض قبضة من تراب أثر فرس جبريل يوم قطع البحر ، فقذفه في العجل فصار له خوار ، وقيل : كان إبليس يدخل في جوف العجل فيصيح فيه فيسمع له خوار (أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ) ردّ عليهم ، وإبطال لمذهبهم الفاسد في عبادته (اتَّخَذُوهُ) أي اتخذوه إلها ، فحذف المفعول الثاني للعلم به ، وكذلك حذف من قوله : واتخذ قوم موسى (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ) أي ندموا يقال : سقط في يد فلان إذا عجز عما يريد أو وقع فيما يكره (أَسِفاً) شديد الحزن على ما فعلوه ، وقيل : شديد الغضب كقوله : (فَلَمَّا آسَفُونا) [الزخرف : ٥٥] (بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي) أي قمتم مقامي ، وفاعل بئس مضمر يفسره ما واسم المذموم محذوف ، والمخاطب بذلك إما القوم الذين عبدوا العجل مع السامري حيث عبدوا غير الله في غيبة موسى عنهم ، أو رؤساء بني إسرائيل كهارون عليهالسلام ، حيث لم يكفوا الذين عبدوا العجل (أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ) معناه : أعجلتم عن أمر ربكم ، وهو انتظار موسى حتى يرجع من الطور ، فإنهم لما رأوا أنّ الأمر قد تم ظنوا أن موسى عليهالسلام قد مات فعبدوا العجل (وَأَلْقَى الْأَلْواحَ) طرحها لما لحقه من الدهش والضجر غضبا لله من عبادة العجل (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ) أي شعر رأسه (يَجُرُّهُ إِلَيْهِ) لأنه ظن أنه فرّط في كف الذين عبدوا العجل (ابْنَ أُمَ) كان هارون شقيق
__________________
(١). وهي قراءة حمزة والكسائي. وقرأ الباقون بالضم.