وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢)
________________________________________________________
بفتح الدال فهو اسم مفعول ، ومن قرأه بالكسر فهو اسم فاعل ، وصح معنى القراءتين ؛ لأن الملائكة المنزلين يتبع بعضهم بعضا ، فمنهم تابعون ومتبوعون (وَما جَعَلَهُ اللهُ) الضمير عائد على الوعد ، أو على الإمداد بالملائكة (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ) إذ بدل من إذ يعدكم أو منصوب بالنصر ، أو بما عند الله من معنى النصر ، أو بإضمار فعل تقديره : اذكر ، ومن قرأ يغشيكم (١) بضم الياء والتخفيف فهو من أغشى ، ومن قرأ بالضم والتشديد فهو من غشّى المشدد ، وكلاهما يتعدى إلى مفعولين فنصب النعاس على أنه المفعول والثاني ، والمعنى يغطيكم به فهو استعارة ، من الغشاء ، ومن قرأ بفتح الياء والشين (٢) فهو من غشى المتعدى إلى واحد أي ينزل عليكم النعاس (أَمَنَةً مِنْهُ) أي أمنا ، والضمير المجرور يعود على الله تعالى ، وانتصاب أمنة على أنه مفعول من أجله. قال ابن مسعود : النعاس عند حضور القتال علامة أمن من العدو (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً) تعديد لنعمة أخرى ؛ وذلك أنهم عدموا الماء في غزوة بدر قبل وصولهم إلى بدر ، وقيل : بعد وصولهم ، فأنزل الله لهم المطر حتى سالت الأودية (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) كان منهم من أصابته جنابة فتطهر بماء المطر ، وتوضأ به سائرهم ، وكانوا قبله ليس عندهم ماء للطهر ولا للوضوء (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ) كان الشيطان قد ألقى في نفوس بعضهم وسوسة بسبب عدم الماء ، فقالوا : نحن أولياء الله وفينا رسوله فكيف نبقى بلا ماء؟ فأنزل الله المطر ، وأزال عنهم وسوسة الشيطان (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ) أي يثبتها بزوال ما وسوس لها الشيطان وبتنشيطها وإزالة الكسل عنها (وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ) الضمير في به عائد على الماء ، وذلك أنهم كانوا في رملة دعصة لا يثبت فيها قدم ، فلما نزل المطر تلبدت وتدقت (٣) الطريق ، وسهل المشي عليها والوقوف ، وروي أن ذلك المطر بعينه صعّب الطريق على المشركين فتبين أن ذلك من لطف الله (إِذْ يُوحِي) يحتمل أن يكون ذلك بدلا من إذ المتقدمة كما أنها بدل من التي قبلها ، أو يكون العامل فيه يثبت (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا) يحتمل أن يكون التثبيت بقتال الملائكة مع المؤمنين أو بأقوال مؤنسة مقوية للقلب قالوها : إذا تصوروا بصور بني آدم أو بإلقاء الأمن في نفوس المؤمنين (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) يحتمل أن يكون
__________________
(١). وهي قراءة أهل المدينة.
(٢). هي قراءة أبو عمرو وابن كثير : يغشاكم. وأما يغشّيكم فهي قراءة أهل الكوفة.
(٣). كذا في الأصل المطبوع ولعلها خطأ فلتحرر.