ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٣) ذَلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ (١٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (١٨)
________________________________________________________
من خطاب الله للملائكة في شأن غزوة بدر تكميلا لتثبيت المؤمنين ، أو استئناف إخبار عما يفعله الله في المستقبل (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) يحتمل أيضا أن يكون خطابا للملائكة أو للمؤمنين ، ومعنى فوق الأعناق : أي على الأعناق ، حيث المفصل بين الرأس والعنق لأنه مذبح ، والضرب فيها يطيّر الرأس ، وقيل : المراد الرؤوس ، لأنها فوق الأعناق ، وقيل : المراد الأعناق وفوق زائدة (كُلَّ بَنانٍ) قيل : هي المفاصل ، وقيل : الأصابع وهو الأشهر في اللغة ، وفائدة ذلك أن المقاتل إذا ضربت أصابعه تعطل عن القتال فأمكن أسره وقتله (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ) الإشارة إلى ما أصاب الكفار يوم بدر ، والباء للتعليل ، وشاقوا من الشقاق وهو العداوة والمقاطعة (ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ) الخطاب هنا للكفار ، وذلكم مرفوع تقديره ذلكم العقاب أو العذاب ، ويحتمل أن يكون منصوبا بقوله : فذوقوه ، كقولك زيدا فاضربه (وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ) عطف على ذلك على تقدير رفعه ، أو نصبه ، أو مفعول معه ، والواو بمعنى مع (زَحْفاً) حال من الذين كفروا ، أو من الفاعل في لقيتم ، ومعناه متقابلي الصفوف والأشخاص ، وأصل الزحف الاندفاع (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) نهي عن الفرار مقيدا بأن يكون الكفار أكثر من مثلي المسلمين حسبما يذكره في موضعه (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ) أي يوم اللقاء في أي عصر كان (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ) هو الكر بعد الفر ليرى عدوه أنه منهزم ، ثم يعطف عليه ، وذلك من الخداع في الحرب (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ) أي منحازا إلى جماعة من المسلمين ، فإن كانت الجماعة حاضرة في الحرب ، فالتحيز إليها جائز باتفاق ، واختلف في التحيز إلى المدينة ، والإمام والجماعة إذا لم يكن شيئا من ذلك حاضرا ، ويروى عن عمر بن الخطاب ، أنه قال : أنا فئة لكل مسلم ، وهذا إباحة لذلك ، والفرار من الذنوب الكبائر ، وانتصب قوله متحرفا على الاستثناء من قوله ومن يولهم ، وقال الزمخشري : انتصب على الحال وإلا لغو ، ووزن متحيز متفيعلا ، ولو كان على متفعل لقال متحوز ، لأنه من حاز يحوز (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) أي لم يكن قتلهم في قدرتكم لأنهم أكثر منكم وأقوى ، لكن الله قتلهم بتأييدكم عليهم وبالملائكة (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أخذ يوم بدر قبضة من تراب وحصى ورمى بها وجوه الكفار فانهزموا ، فمعنى الآية أن ذلك من الله في الحقيقة (بَلاءً حَسَناً) يعني الأجر والنصر والغنيمة (مُوهِنُ) من الوهن وهو الضعف ، وقرئ موهّن (١)
__________________
(١). وهي قراءة نافع وابن كثير وأبو عمرو وقرأ أهل الكوفة والشام : موهن بالتخفيف.