يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ
________________________________________________________
(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) قيل : إن نجاستهم بكفرهم وقيل : بالجنابة (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) نص على منع المشركين ، وهم عبدة الأوثان من المسجد الحرام ، فأجمع العلماء على ذلك ، وقاس مالك على المشركين جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم ، وقاس على المسجد الحرام سائر المساجد ، فمنع جميع الكفار من جميع المساجد ، وجعلها الشافعي عامة في الكفار خاصة بالمسجد الحرام ، فمنع جميع الكفار دخول المسجد الحرام خاصة ، وأباح لهم دخول غيره. وقصرها أبو حنيفة على موضع النص ؛ فمنع المشركين خاصة من دخول المسجد الحرام خاصة ، وأباح لهم دخول سائر المساجد وأباح دخول أهل الكتاب في المسجد الحرام وغيره (بَعْدَ عامِهِمْ هذا) يريد عام تسعة من الهجرة حين حج أبو بكر بالناس ، وقرأ عليهم عليّ سورة براءة (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) أي فقرا ، كان المشركون يجلبون الأطعمة إلى مكة ، فخاف الناس قلة القوت بها إذ منع المشركون منها ، فوعدهم الله بأن يغنيهم من فضله ، فأسلمت العرب كلها وتمادى جلب الأطعمة إلى مكة ثم فتح الله سائر الأمصار (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) أمر بقتال أهل الكتاب ، ونفى عنهم الإيمان بالله لقول اليهود : عزير ابن الله ، وقول النصارى : المسيح ابن الله ، ونفى عنهم الإيمان باليوم الآخر لأن اعتقادهم فيه فاسد ، فإنهم لا يقولون بالمعاد والحساب (وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ) لأنهم يستحلون الميتة والدم ولحم الخنزير وغير ذلك (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ) أي لا يدخلون في الإسلام (مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) بيان للذين أمر بقتالهم وحين نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم إلى غزوة تبوك لقتال النصارى (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) اتفق العلماء على قبول الجزية من اليهود والنصارى ، ويلحق بهم المجوس ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : سنوا بهم سنة أهل الكتاب (١) ، واختلفوا في قبولها من عبدة الأوثان والصابئين ولا تؤخذ من النساء والصبيان والمجانين ، وقدرها عند مالك أربعة دنانير على أهل الذهب ، وأربعون درهما على أهل الورق ، ويؤخذ ذلك من كل رأس (عَنْ يَدٍ) فيه تأويلان : أحدهما دفع الذميّ لها بيده لا يبعثها مع أحد ولا يمطل بها كقولك يدا بيد ، الثاني عن استسلام وانقياد كقولك : ألقى فلان بيده (وَهُمْ صاغِرُونَ) أذلاء (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) قال ابن
__________________
(١). رواه الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه الأموال بسنده إلى عبد الرحمن بن عوف ص ٤٥.