عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الْأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا
________________________________________________________
وقال كعب بن مالك معناه : خلفوا عن قبول الضر [كذا] وليس بالتخلف عن الغزو. يقوّي ذلك كونه جعل إذا ضاقت غاية للتخلف (ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ) عبارة عما أصابهم من الغم والخوف من الله (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) أي رجع بهم ليستقيموا على التوبة (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) يحتمل أن يريد صدق اللسان إذا كانوا هؤلاء الثلاثة قد صدقوا ولم يعتذروا بالكذب ، فنفعهم الله بذلك ، ويحتمل أن يريد أعم من صدق اللسان ، وهو الصدق في الأقوال والأفعال والمقاصد والعزائم ، والمراد بالصادقين : المهاجرون لقول الله في الحشر : للفقراء المهاجرين ، إلى قوله : هم الصادقون وقد احتج بها أبو بكر الصديق على الأنصار يوم السقيفة ، فقال : نحن الصادقون ، وقد أمركم الله أن تكونوا معنا ، أي تابعين لنا.
(ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) الآية : عتاب لمن تخلف عن غزوة تبوك من أهل يثرب ومن جاورها من قبائل العرب (وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ) أي لا يمتنعوا من اقتحام المشقات التي تحملها هو صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ) تعليل لما يجب من عدم التخلف (ظَمَأٌ) أي عطش (وَلا نَصَبٌ) أي تعب (وَلا مَخْمَصَةٌ) أي جوع (وَلا يَطَؤُنَ) أي بأرجلهم أو بدوابّهم (وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً) عموم في كل ما يصيب الكفار.
(وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً). قال ابن عباس : هذه الآية في البعوث إلى الغزو والسرايا : أي لا ينبغي خروج جميع المؤمنين في السرايا ، وإنما يجب ذلك إذا خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنفسه ، ولذلك عاتبهم في الآية المتقدمة على التخلف عنه ، فالآية الأولى في الخروج معه صلىاللهعليهوسلم ، وهذه في السرايا التي كان يبعثها ، وقيل : هي ناسخة لكل ما ورد من الأمر بخروج الجميع ، فهو دليل على أن الجهاد فرض كفاية لا فرض عين ، وقيل : هي في طلب العلم ، ومعناها : أنه لا تجب الرحلة في طلب العلم على الجميع ، بل على البعض لأنه فرض كفاية (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ) تحضيض على نفر بعض المؤمنين للجهاد أو لطلب العلم (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) إن قلنا إن الآية في الخروج إلى طلب العلم ، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تنفر أي ترحل ، وكذلك الضمير في ينذروا وفي رجعوا : أي ليعلموا قومهم إذا رجعوا إليهم من الرحلة ، وإن قلنا : إن الآية في السرايا ، فالضمير في يتفقهوا للفرقة التي تقعد في المدينة ولا تخرج مع السرايا ، وأما الضمير في رجعوا فهو