حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٢٢) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢٣) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤)
________________________________________________________
وقيل : ثماني عشرة سنة ؛ وقيل : ثلاث وثلاثون ، وقيل : أربعون (حُكْماً) هي الحكمة والنبوة (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ) أي طلبت منه ما يكون من الرجل إلى المرأة وهي زليخا امرأة العزيز (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ) روي أنها كانت سبعة أبواب (هَيْتَ لَكَ) (١) اسم فعل معناه تعال وأقبل ، وقرئ بفتح الهاء وكسرها وبفتح التاء وضمها ، والمعنى في ذلك كله واحد ، وحركة التاء للبناء ، وأما من قرأ بالهمز فهو فعل من تهيأت كقولك : جئت (مَعاذَ اللهِ) منصوب على المصدرية ، والمعنى أعوذ بالله (إِنَّهُ رَبِّي) يحتمل أن يكون الضمير لله تعالى ، أو للذي اشتراه ، لأن السيد يقال له رب ، فالمعنى لا ينبغي لي أن أخونه (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الضمير للأمر والشأن ، ويحتمل ذلك في الأوّل أي الضمير (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) أكثر الناس الكلام في هذه الآية حتى ألفوا فيها التآليف ، فمنهم مفرط ومفرّط ، وذلك أن منهم من جعل همّ المرأة وهمّ يوسف من حيث الفعل الذي أرادته ، وذكروا في ذلك روايات من جلوسه بين رجليها ، وحله التكة وغير ذلك ، مما لا ينبغي أن يقال به لضعف نقله ، ولنزاهة الأنبياء عن مثله ، ومنهم من جعل أنها همت به لتضربه على امتناعه وهمّ بها ليقتلها أو يضربها ليدفعها وهو بعيد ، يرده قوله : لو لا أن رأى برهان ربه ، ومنهم من جعل همها به من حيث مرادها وهمه بها ليدفعها ، وهذا أيضا بعيد ، لاختلاف سياق الكلام ، والصواب إن شاء الله : إنها همت به من حيث مرادها وهمّ بها كذلك ، لكنه لم يعزم على ذلك ، ولم يبلغ إلى ما ذكر من حل التكة وغيرها ؛ بل كان همه خطرة خطرت على قلبه لم يطعها ولم يتابعها ، ولكنه بادر بالتوبة والإقلاع عن تلك الخطرة حتى محاها من قلبه لما رأى برهان ربه ، ولا يقدح هذا في عصمة الأنبياء لأن الهمّ بالذنب ليس بذنب ولا نقص عليه في ذلك ، فإنه من همّ بذنب ثم تركه كتبت له حسنة (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) جوابه محذوف تقديره : لو لا أن رأى برهان ربه لخالطها ، وإنما حذف لأن قوله همّ بها يدل عليه ، وقد قيل : إن «هم بها» هو الجواب ، وهذا ضعيف لأن جواب لو لا لا يتقدم عليها ، واختلف في البرهان الذي رآه ، فقيل ناداه جبريل : يا يوسف أتكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء ، وقيل : رأى يعقوب ينهاه ، وقيل : تفكر فاستبصر ، وقيل : رأى زليخا غطت وجه صنم لها حياء منه ، فقال : أنا أولى أن أستحي من الله (كَذلِكَ لِنَصْرِفَ) الكاف في موضع نصب متعلقة بفعل مضمر ، التقدير : ثبتناه مثل ذلك التثبيت ، أو في موضع رفع تقديره : الأمر مثل ذلك (السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ) خيانة سيده والوقوع في الزنا (الْمُخْلَصِينَ)
__________________
(١). قرأ أهل العراق : هيت. وأهل المدينة والشام : هيت. وابن كثير : هيت ، وهشام : هئت.