وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (١٠٣) إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (١٠٥) مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٦) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا
________________________________________________________
يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ) اللسان هنا بمعنى اللغة والكلام ، ويلحدون من ألحد إذا مال ، وقرئ (١) بفتح الياء من لحد ، وهما بمعنى واحد ، وهذا ردّ عليهم فإن الشخص الذي أشاروا إليه يعلمه أعجمى اللسان ؛ وهذا القرآن عربي في غاية الفصاحة فلا يمكن أن يأتي به أعجمي.
(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ لا يَهْدِيهِمُ اللهُ) هذا في حق من علم الله منه أنه لا يؤمن كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ) [يونس : ٩٦] ، فاللفظ عام يراد به الخصوص ، كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ) [البقرة : ٦] ، وقال ابن عطية : المعنى إن الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بالله ، ولكنه قدم في هذا الترتيب وأخر ، تهكما لتقبيح أفعالهم (إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللهِ) ردّ على قولهم : إنما أنت مفتر ؛ يعنى : إنما يليق الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يخاف الله ، وأما من يؤمن بالله فلا يكذب عليه (وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ) الإشارة إلى الذين لا يؤمنون بالله : أي هم الذين عادتهم الكذب لأنهم لا يبالون بالوقوع في المعاصي ، ويحتمل أن يكون الكذب المنسوب إليهم قولهم إنما أنت مفتر (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ) الآية : من شرطية في موضع رفع بالابتداء ، وكذلك من في قوله من شرح ، لأنه تخصيص من الأول ، وقوله : فعليهم غضب : جواب عن الأولى والثانية ، لأنهم بمعنى واحد أو يكون جوابا للثانية ، وجواب الأولى محذوف يدل عليه جواب الثانية ، وقيل : من كفر بدل من الذين لا يؤمنون أو من المبتدأ في قوله أولئك هم الكاذبون ، أو من الخبر (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ) استثنى من قوله من كفر ، وذلك أن قوما ارتدوا عن الإسلام ، فنزلت فيهم الآية ، وكان فيهم من أكره على الكفر فنطق بكلمة الكفر ، وهو يعتقد الإيمان منهم عمار بن ياسر ، وصهيب ، وبلال فعذرهم الله.
روى أن عمار بن ياسر شكا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ما صنع به من العذاب وما تسامح به من القول ، فقال له رسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى اله وسلّم : كيف تجد قلبك؟ قال أجده مطمئنا بالإيمان ، قال فأجبهم بلسانك ، فإنه لا يضرك ، وهذا الحكم في من أكره بالنطق على الكفر ، وأما الإكراه على فعل هو كفر كالسجود للصنم فاختلف هل تجوز الإجابة إليه أم لا؟ فأجازه الجمهور ، ومنعه قوم وكذلك قال مالك : لا يلزم المكره يمين ولا طلاق ولا عتق ولا شيء فيما بينه وبين الله ، ويلزمه ما كان من حقوق الناس ، ولا تجوز الإجابة إليه كالإكراه على قتل أحد أو أخذ ماله (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا) الإشارة إلى العذاب ، والباء للتعليل ، فعلل عذابهم بعلتين : أحدهما إيثارهم الحياة الدنيا ، والأخرى أن الله
__________________
(١). قرأ حمزة والكسائي : تلحدون والباقون : يلحدون بالرفع.