وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (١٠٩) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١١٠) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (١١١)
________________________________________________________
الذين كانوا على الحنيفية قبل البعثة : كزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، والأوّل أظهر ، وهذه الجملة تعليل لما تقدم ، والمعنى : إن لم تؤمنوا به أنتم ، فقد آمن به من هو أعلم منكم (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ) أي لناحية الأذقان كقولهم : خرّ لليدين وللفم ، والأذقان جمع ذقن ، وهو أسفل الوجه حيث اللحية ، وإنما كرر يخرون للأذقان ، لأن الأول للسجود ، والآخر للبكاء.
(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) سببها أن الكفار سمعوا النبي صلىاللهعليهوسلم يدعو يا الله يا رحمن ، فقالوا إن كان محمد ليأمرنا بدعاء إله واحد ، وها هو يدعو إلهين ، فنزلت الآية مبينة أن قوله الله أو الرحمن اسم لمسمى واحد ، وأنه مخيّر في الدعاء بأيّ الاسمين شاء ، والدعاء في الآية بمعنى التسمية كقولك : دعوت ولدي زيدا لا بمعنى النداء (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) أيّا اسم شرط منصوب بتدعو ، والتنوين فيه عوض من المضاف إليه ، وما زائدة للتأكيد ، والضمير في به لله تعالى ، وهو المسمى لا الاسم ، والمعنى أيّ هذين الاسمين تدعو فحسن ، لأن الله له الأسماء الحسنى فموضع قوله : لله الأسماء الحسنى موضع الحال ، وهو في المعنى تعليل للجواب ، لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان.
(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها) المخافتة هي الإسرار ، وسبب الآية أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم جهر بالقرآن في الصلاة ، فسمعه المشركون ، فسبوا القرآن ومن أنزله ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتوسط بين الإسرار والجهر ، ليسمع أصحابه الذين يصلون معه ، ولا يسمع المشركون ، وقيل : المعنى لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ، واجعل منها سرا وجهرا ، حسبما أحكمته السنة ، وقيل : الصلاة هنا الدعاء (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) أي ليس له ناصر يمنعه من الذل ، لأنه تعالى عزيز لا يفتقر إلى وليّ يحميه ، فنفى الولاية على هذا المعنى لأنه غنيّ عنها ، ولم ينف الولاية على وجه المحبة والكرامة لمن شاء من عباده ، وحكي الطبري أن قوله : لم يتخذ ولدا رد على النصارى واليهود والذين نسبوا لله ولدا ، وقوله : ولم يكن له شريك : ردّ على المشركين ، وقوله : ولم يكن له وليّ من الذل رد على الصابئين في قولهم : لو لا أولياء الله لذل الله «تعالى الله عن قولهم» علوا كبيرا (وَكَبِّرْهُ) معطوف على قل ، ويحتمل هذا التكبير أن يكون بالقلب وهو التعظيم ، أو باللسان وهو قوله أن يقول الله أكبر مع قوله الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية.