إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (٧) وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (١٠)
________________________________________________________
إدبارهم قد بعدوا فهو يتبع آثارهم تأسفا عليهم ، وانتصب أسفا على أنه مفعول من أجله ، والعامل فيه باخع نفسك (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) يعنى ما يصلح للتزين كالملابس والمطاعم ، والأشجار والأنهار وغير ذلك (لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي لنختبرهم أيّهم أزهد في زينة الدنيا (وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً) المعنى إخبار بفناء الدنيا وزينتها ، والصعيد هو التراب ، والجرز : الأرض التي لا نبات فيها : أي سيفنى ما على الأرض من الزينة وتبقى كالأرض التي لا نبات فيها ، بعد أن كانت خضراء بهجة.
(أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) أم هنا استفهام ، والمعنى أحسبت أنهم عجب ، بل سائر آياتنا أعظم منها وأعجب ، والكهف الغار الواسع ، والرقيم : اسم كلبهم ، وقيل : هو لوح رقمت فيه أسماؤهم على باب الكهف ، وقيل كتاب فيه شرعهم ودينهم ، وقيل هو القرية التي كانت بإزاء الكهف ، وقيل : الجبل الذي فيه الكهف ، وقال ابن عباس : لا أدري ما الرقيم (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ) نذكر من قصتهم على وجه الاختصار ما لا غنى عنه ، إذ قد أكثر الناس فيها مع قلة الصحة في كثير مما نقلوا ، وذلك أنهم كانوا قوما مؤمنين ، وكان ملك بلادهم كافرا يقتل كل مؤمن ، ففروا بدينهم ، ودخلوا الكهف ليعبدوا الله فيه ويستخفوا من الملك وقومه ، فأمر الملك باتباعهم ، فانتهى المتبعون لهم إلى الغار فوجدوهم ، وعرفوا الملك بذلك فوقف عليه في جنده وأمر بالدخول إليهم ، فهاب الرجال ذلك وقالوا له : دعهم يموتوا جوعا وعطشا ، وكان الله قد ألقى عليهم نوما ثقيلا ، فبقوا على ذلك مدّة طويلة ثم أيقظهم الله ، وظنوا أنهم لبثوا يوما أو بعض يوم ، فبعثوا أحدهم يشتري لهم طعاما بدراهم كانت لهم ، فعجب لها البائع وقال : هذه الدراهم من عهد فلان الملك في قديم الزمان من أين جاءتك؟ وشاع الكلام بذلك في الناس ، وقال الرجل : إنما خرجت أنا وأصحابي بالأمس فأوينا إلى الكهف ، فقال : هؤلاء الفتية الذين ذهبوا في الزمان القديم فمشوا إليهم فوجدوهم موتى ، وأما موضع كهفهم ، فقيل إنه بمقربة من فلسطين (١) وقال قوم : إنه الكهف الذي بالأندلس بمقربة من لوشة من جهة غرناطة ، وفيه موتى ومعهم كلب ، وقد ذكر ابن عطية ذلك ، وقال : إنه دخل عليهم ورآهم وعليهم مسجد ، وقريب منهم بناء يقال له الرقيم قد بقي بعض جدرانه ، وروى أن الملك الذي كانوا في زمانه اسمه دقيوس ، وفي تلك الجهة آثار مدينة يقال لها مدينة دقيوس والله أعلم.
__________________
(١). لقد كشف موضعهم قرب مدينة عمان.