الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ (٣) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا
________________________________________________________
بالألف والتقدير على هذا : مالك مجيء يوم الدين ، أو مالك الأمر يوم الدين ، وقراءة الجماعة أرجح من ثلاثة أوجه. الأوّل : أنّ الملك أعظم من المالك إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله ، وأما الملك فهو سيد الناس ، والثاني : قوله : وله الملك يوم ينفخ في الصور والثالث : أنها لا تقتضي حذفا ، والأخرى تقتضيه ؛ لأنّ تقديرها مالك الأمر ، أو مالك مجيء يوم الدين ، والحذف على خلاف الأصل. وأمّا قراءة الجماعة فإضافة ملك إلى يوم الدين فهي على طريقة الاتساع ، وأجري الظرف مجرى المفعول به ، والمعنى على الظرفية : أي الملك في يوم الدين ، ويجوز أن يكون المعنى ملك الأمور يوم الدين ، فيكون فيه حذف. وقد رويت القراءتان في الحديث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقد قرئ ملك بوجوه كثيرة إلّا أنها شاذة.
الفائدة الثامنة : الرحمن ، الرحيم ، مالك : صفات ، فإن قيل : كيف جرّ مالك ومالك صفة للمعرفة ، وإضافة اسم الفاعل غير محضة؟ فالجواب : أنها تكون غير محضة إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، وأما هذا فهو مستمر دائما فإضافته محضة.
الفائدة التاسعة : هو يوم القيامة ويصلح هنا في معاني الحساب والجزاء والقهر ، ومنه إنا لمدينون.
الفائدة العاشرة : إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده ، وإنما قدّم ليفيد الحصر فإنّ تقديم المعمولات يقتضي الحصر ، فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له ، واقتضى قوله : «وإياك نستعين» اعترافا بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلّا بالله وحده.
الفائدة الحادية عشرة : إياك نستعين : أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا ، وفي هذا دليل على بطلان قول القدرية والجبرية ، وأنّ الحق بين ذلك.
الفائدة الثانية عشرة : اهدنا : دعاء بالهدى. فإن قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم؟ فالجواب إن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت ، أو الزيادة منه فإنّ الارتقاء في المقامات لا نهاية له.
الفائدة الثالثة عشرة : قدم الحمد والثناء على الدعاء لأنّ تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح ، وذلك أقرب للإجابة. وكذلك قدّم الرحمن على ملك يوم الدين لأنّ رحمة الله سبقت غضبه ، وكذلك قدّم إياك نعبد على إياك نستعين لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة.
الفائدة الرابعة عشرة : ذكر الله تعالى في أوّل هذه السورة على طريق الغيبة ، ثم على