الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)
________________________________________________________
الخطاب في إياك نعبد وما بعده ، وذلك يسمى الالتفات ، وفيه إشارة إلى أنّ العبد إذا ذكر الله تقرّب منه فصار من أهل الحضور فناداه.
الفائدة الخامسة عشرة : الصراط في اللغة الطريق المحسوس الذي يمشى ، ثم استعير للطريق الذي يكون الإنسان عليها من الخير والشر ، ومعنى المستقيم القويم الذي لا عوج فيه ، فالصراط المستقيم الإسلام ، وقيل القرآن ، والمعنيان متقاربان ، لأنّ القرآن يضمن شرائع الإسلام وكلاهما مروي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقرئ الصراط بالصاد والسين وبين الصاد والزاي ، وقد قيل إنه قرئ بزاي خالصة ، والأصل فيه السين ، وإنما أبدلوا منها صادا لموافقة الطاء في الاستعلاء والإطباق ، وأما الزاي فلموافقة الطاء في الجهر.
الفائدة السادسة عشرة : الذين أنعمت عليهم : قال ابن عباس : هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون. وقيل : المؤمنون وقيل الصحابة ، وقيل قوم موسى وعيسى قبل أن يغيروا ، والأوّل أرجح لعمومه ، ولقوله : (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩].
الفائدة السابعة عشرة : إعراب غير المغضوب بدل ، ويبعد النعت لأنّ إضافته غير مخصوصة وهو قد جرى عن معرفة وقرئ بالنصب على الاستثناء أو الحال.
الفائدة الثامنة عشرة : إسناد أنعمت عليهم إلى الله. والغضب لما لم يسم فاعله على وجه التأدب : كقوله : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء : ٨٠] وعليهم أوّل في موضع نصب ، والثاني في موضع رفع.
الفائدة التاسعة عشرة : المغضوب عليهم اليهود ، والضالين : النصارى ، قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما ، وقد روي ذلك عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وقيل ذلك عام في كل مغضوب عليه ، وكل ضال ، والأول أرجح لأربعة أوجه روايته عن النبي صلىاللهعليهوسلم وجلالة قائله وذكر ولا في قوله : ولا الضالين دليل على تغاير الطائفتين وأن الغضب صفة اليهود في مواضع من القرآن : كقوله (فَباؤُ بِغَضَبٍ) [البقرة : ٩٠] ، والضلال صفة النصارى لاختلاف أقوالهم الفاسدة في عيسى بن مريم عليهالسلام ، ولقول الله فيه : (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) [المائدة : ٧٧].
الفائدة العشرون : هذه السورة جمعت معاني القرآن العظيم كله فكأنها نسخة مختصرة منه فتأملها بعد تحصيل الباب السادس من المقدّمة الأولى تعلم ذلك في الألوهية حاصلا في قوله : الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، والدار الآخرة : في قوله مالك يوم الدين ، والعبادات كلها من الاعتقادات والأحكام التي تقتضيها الأوامر والنواهي : في قوله