صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (١٩)
________________________________________________________
(ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) ولم يقل : أذهب الله نورهم ، مشاكلة لقوله : (فَلَمَّا أَضاءَتْ) فالجواب : أن إذهاب النور أبلغ لأنه إذهاب للقليل والكثير ، بخلاف الضوء فإنه يطلق على الكثير (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) يحتمل أن يراد به المنافقون ، والمستوقد المشبه بهم ، وهذه الأوصاف مجاز عبارة عن عدم انتفاعهم بسمعهم وأبصارهم وكلامهم ، وليس المراد فقد الحواس (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إن أريد به المنافقون : فمعناه لا يرجعون إلى الهدى ، وإن أريد به أصحاب النار : فمعناه أنهم متحيرون في الظلمة ، لا يرجعون ولا يهتدون إلى الطريق (أَوْ كَصَيِّبٍ) عطف على الذي استوقد ، والتقدير : أو كصاحب صيب ، أو للتنويع ؛ لأن هذا مثل آخر ضربه الله للمنافقين ، والصيب : المطر ، وأصله صيوب ، ووزنه فعيل ، وهو مشتق من قولك صاب يصوب ، وفي قوله (مِنَ السَّماءِ) إشارة إلى قوته وشدّة انصبابه ، قال ابن مسعود : إنّ رجلين من المنافقين هربا إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر وأيقنا بالهلاك ، فعزما على الإيمان ، ورجعا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وحسن إسلامهما ، فضرب الله ما أنزل فيهما مثلا للمنافقين ، وقيل : المعنى تشبيه المنافقين في حيرتهم في الدين وفي خوفهم على أنفسهم بمن أصابه مطر فيه ظلمات ورعد وبرق ، فضلّ عن الطريق وخاف الهلاك على نفسه ، وهذا التشبيه على الجملة ، وقيل : إنّ التشبيه على التفصيل ، فالمطر مثل للقرآن أو الإسلام ، والظلمات مثل لما فيه من الإشكال على المنافقين ، والرعد مثل لما فيه من الوعيد والزجر لهم ، والبرق مثل لما فيه من البراهين الواضحة ، فإن قيل : لم قال رعد وبرق بالإفراد ، ولم يجمعه كما جمع ظلمات؟ فالجواب : أن الرعد والبرق مصدران ، والمصدر لا يجمع ، ويحتمل أن يكونا اسمين وجمعهما (١) لأنهما في الأصل مصدران (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) أي من أجل الصواعق ، قال ابن مسعود : كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم ، لئلا يسمعوا القرآن في مجلس النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. فهو على هذا حقيقة في المنافقين ، والصواعق على هذا ما يكرهون من القرآن ، والموت هو ما يتخوفونه فهما مجازان ، وقيل : لأنه راجع لأصحاب المطر المشبه بهم فهو حقيقة فيهم ، والصواعق على هذا حقيقة ، وهي التي تكون من المطر من شدة الرعد ، ونزول قطعة نار والموت أيضا حقيقة. وقيل : إنه راجع للمنافقين على وجه التشبيه لهم في خوفهم بمن جعل أصابعه في آذانه ؛ من شدة الخوف من المطر والرعد ، فإن قيل : لم قال أصابعهم ولم يقل أناملهم والأنامل هي التي تجعل في الآذان؟ فالجواب أن ذكر الأصابع أبلغ لأنها أعظم من الأنامل ، ولذلك جمعها مع أن الذي يجعل في الآذان السبابة خاصة (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أي لا يفوتونه ؛ بل هم تحت قهره ، وهو قادر على عقابهم
__________________
(١). ربما كان الأصل : ولم يجمعهما.