حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦) فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣٧) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٣٩) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)
________________________________________________________
أهل السنة ، خلافا لمن قال : هي غيرها (لا تَقْرَبا) النهي عن القرب يقتضي النهي عن الأكل بطريق الأولى ، وإنما نهى عن القرب سدّا للذريعة ، فهذا أصل في سدّ الذرائع (الشَّجَرَةَ) قيل هي شجرة العنب ، وقيل شجرة التين (١) ، وقيل الحنطة ، وذلك مفتقر إلى نقل صحيح ، واللفظ مبهم (فَتَكُونا) عطف على تقربا ، أو نصب بإضمار أن بعد الفاء في جواب النهي (فَأَزَلَّهُمَا) متعدّ من أزل القدم ، وأزالهما بالألف من الزوال (عَنْها) الضمير عائد على الجنة ، أو على الشجرة فتكون عن سببية على هذا.
فائدة : اختلفوا في أكل آدم من الشجرة فالأظهر أنه كان على وجه النسيان : لقوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] وقيل سكر من خمر الجنة فحينئذ أكل منها ، وهذا باطل ؛ لأن خمر الجنة لا تسكر ، وقيل : أكل عمدا وهي معصية صغرى ، وهذا عند من أجاز على الأنبياء الصغائر ، وقيل : تأوّل آدم أن النهي : كان عن شجرة معينة فأكل من غيرها من جنسها ، وقيل : لما حلف له إبليس صدقه ؛ لأنه ظنّ أنه لا يحلف أحد كذبا (اهْبِطُوا) خطاب لآدم وزوجه وإبليس بدليل : بعضكم لبعض عدوّ (مُسْتَقَرٌّ) موضع استقرار وهو في مدّة الحياة ، وقيل في بطن الأرض بعد الموت (وَمَتاعٌ) ما يتمتع به (إِلى حِينٍ) إلى الموت (فَتَلَقَّى) أي أخذ وقيل على قراءة الجماعة (٢) ، وقرأ ابن كثير بنصب آدم ورفع الكلمات ، فتلقى على هذا من اللقاء (كَلِماتٍ) هي قوله : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، بدليل ورودها في الأعراف : ٢٣ وقيل غير ذلك (اهْبِطُوا) كرر ليناط به ما بعده ، ويحتمل أن يكون أحد الهبوطين من السماء ، والآخر من الجنة ، وأن يكون هذا الثاني لذرية آدم لقوله : (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ) إن شرطية وما زائدة للتأكيد ، والهدى هنا : يراد به كتاب الله ورسالته (فَمَنْ تَبِعَ) شرط ، وهو جواب الشرط الأوّل ، وقيل : فلا خوف جواب الشرطين (يا بَنِي إِسْرائِيلَ) لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم : دعا بني إسرائيل خصوصا وهم اليهود ، وجرى الكلام معهم من هنا إلى حزب سيقول السفهاء فتارة دعاهم بالملاطفة وذكر الإنعام عليهم وعلى آبائهم ، وتارة بالتخويف ، وتارة بإقامة الحجة وتوبيخهم على سوء أعمالهم ، وذكر العقوبات التي عاقبهم بها.
فذكر من النعم عليهم عشرة أشياء ، وهي : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [البقرة : ٤٩] ، (وَإِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ) [البقرة : ٥٠] ، و (بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) [البقرة : ٥٦] ،
__________________
(١). ورد في الأبريز للسيد عبد العزيز الدباغ أنها شجرة التين بغير شك.
(٢). في الكلام نقص والله أعلم.