بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ
________________________________________________________
وكرره زيادة في تقبيح أمرهم (رِجْزاً) روي أنهم أصابهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفا (اسْتَسْقى) طلب السقيا لما عطشوا في التيه (الْحَجَرَ) كان مربعا ذراعا في ذراع : تفجر من كل جهة ثلاث عيون ، وروي أنّ آدم كان أهبطه من الجنة ، وقيل هو جنس غير معين ، وذلك أبلغ في الإعجاز (فَانْفَجَرَتْ) قبله محذوف تقديره : فضربه فانفجرت (مَشْرَبَهُمْ) أي موضع شربهم ، وكانوا اثني عشر سبطا لكل سبط عين (كُلُوا) أي من المنّ والسلوى ، واشربوا من الماء المذكور (فُومِها) هي الثوم ، وقيل : الحنطة (أَدْنى) من الدنيء الحقير ، وقيل : أصله أدون ، ثم قلب بتأخير عينه وتقديم لامه (مِصْراً) قيل البلد المعروف وصرف لسكون وسطه (١). وقيل : هو غير معين فهو نكرة ؛ لما روي أنهم نزلوا بالشام. (ضُرِبَتْ) أي قضى عليهم بها ، وألزموها. وجعله الزمخشري استعارة من ضرب القبة لأنها تعلو الإنسان وتحيط به (الْمَسْكَنَةُ) الفاقة ، وقيل : الجزية (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) الإشارة إلى ضرب الذلة والمسكنة والغضب ، والباء للتعليل (بِآياتِ اللهِ) الآيات المتلوات أو العلامات (بِغَيْرِ الْحَقِ) معلوم أنه لا يقتل نبي إلّا بغير حق ، وذلك أفصح [وقرأ نافع وحده : النبيئين].
فائدة : قال هنا (بِغَيْرِ الْحَقِ) بالتعريف باللام للعهد ، لأنه قد تقررت الموجبات لقتل النفس ، وقال في الموضع الآخر من آل عمران «بغير حق» بالتنكير لاستغراق النفي ، لأن تلك نزلت في المعاصرين لمحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(ذلِكَ بِما عَصَوْا) يحتمل أن يكون تأكيدا للأول ، وتكون الإشارة بذلك إلى القتل والكفر ، والباء للتعليل. أي اجترءوا على الكفر وقتل الأنبياء لما انهمكوا في العصيان والعدوان (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا) الآية. قال ابن عباس : نسختها (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران : ٨٥] وقيل معناها : أن هؤلاء الطوائف من آمن منهم إيمانا صحيحا فله أجره ، فيكون في حق المؤمنين الثبات إلى الموت ، وفي حق غيرهم الدخول في الإسلام ، فلا نسخ ، وقيل : إنها فيمن كان قبل بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا نسخ (مَنْ آمَنَ) مبتدأ ، خبره : فلهم أجرهم. والجملة خبر أن ، أو من آمن
__________________
(١). أي لكون حرف الصاد ساكنا.