الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٩) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٠) وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١١١) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (١١٢) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١١٣) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١١٤)
________________________________________________________
والأوّل أظهر وأرجح (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) يتعلق بحسدا وقيل : بيودّ (فَاعْفُوا) منسوخ بالسيف (بِأَمْرِهِ) يعني إباحة قتالهم أو وصول آجالهم (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ) الآية : أي قالت اليهود : لن يدخل الجنة إلّا من كان يهوديا ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلّا من كان نصرانيا (هُوداً) يعني اليهود ، وهذه الكلمة جمع هائد أو مصدر وصف به ، وقال الفرّاء : حذفت منه يا هودا على غير قياس (أَمانِيُّهُمْ) أكاذيبهم أو ما يتمنونه (هاتُوا) أمر على وجه التعجيز ، والردّ عليهم ، وهو من : هاتي ، يهاتي ، ولم ينطق به ، وقيل : أصله ؛ آتوا ، وأبدل من الهمزة هاء (بَلى) إيجاب لما نفوا ؛ أي يدخلها من ليس يهوديا ، ولا نصرانيا (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) أي دخل في الإسلام وأخلص ، وذكر الوجه لشرفه والمراد جملة الإنسان (وَقالَتِ الْيَهُودُ) الآية : سببها : اجتماع نصارى نجران مع يهود المدينة فذمّت كل طائفة الأخرى (وَهُمْ يَتْلُونَ) تقبيح لقولهم مع تلاوتهم الكتاب الذين (لا يَعْلَمُونَ) المشركون من العرب لأنهم لا كتاب لهم (مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ) لفظه الاستفهام ومعناه : لا أحد أظلم منه حيث وقع ؛ قريش منعت الكعبة ، أو النصارى منعوا بيت المقدس أو على العموم (خائِفِينَ) في حق قريش لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يحج بعد هذا العام مشرك (١) في حق النصارى حربهم عند بيت المقدس أو الجزية (خِزْيٌ) في حق قريش غلبتهم وفتح مكة ، وفي حق النصارى : فتح بيت المقدس أو الجزية (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) في الحديث الصحيح أنهم صلوا ليلة في سفر إلى غير القبلة بسبب الظلمة فنزلت ، وقيل : هي في نفل المسافر حيث ما توجهت به دابته ، وقيل : هي راجعة إلى ما قبلها : أي إن منعتم من مساجد الله فصلوا حيث كنتم ، وقيل : إنها احتجاج على من أنكر تحويل القبلة ، فهي كقوله بعد هذا : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) الآية والقول الأوّل هو الصحيح ، ويؤخذ منه أن من أخطأ القبلة ، فلا تجب عليه الإعادة ، وهو مذهب مالك (وَجْهُ اللهِ) المراد به هنا رضاه كقوله : (ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ) أي رضاه ، وقيل : معناه الجهة التي وجهه إليها ، وأما قوله : (كُلُّ
__________________
(١). رواه أحمد في مسنده عن أبي بكر الصديق ص ٤ رقم ٤.