رُوِّحت ، وعطنت وحلبت عتمتها (١) ونمنا ، فلما كان الليل أحدق بنا عُيينة في أربعين فارساً ، فصاحوا بنا وهم قيام على رؤوسنا فأشرف لهم ابني فقتلوه ، وكانت معه إمرأته وثلاثة نفر فنجوا ، وتنحيت عنهم ، وشغلهم عني إطلاق عُقل اللقاح ، ثم صاحوا في أدبارها فكان آخر العهد بها . ونترك لأبي معبد يكمل القصة :
قال المقداد بن عمرو : لما كانت ليلة السَّرْح ، جعلت فرسي سبحة لا تقر ضرباً بأيديها وصهيلاً ، فيقول أبو معبد (٢) : والله إن لها شأناً ! فننظر آريَّها (٣) فإذا هو مملؤ علفاً ! فيقول : عطشى ! فيعرض الماء عليها فلا تريده ، فلما طلع الفجر اسرجها ولبس سلاحه ، وخرج حتى صلى الصبح مع رسول الله ( ص ) فلم يرَ شيئاً ، ودخل النبي ( ص ) بيته ، ورجع المقداد إلى بيته ، وفرسه لا تقر ، فوضع سرجها وسلاحه واضطجع ، وجعل إحدى رجليه على الأخرى ، فأتاه آتٍ فقال : إن الخيل قد صيح بها .
وكان سلمة بن الأكوع قد غدا قاصداً الغابة ليأتي بلبن اللقاح إلى النبي ( ص ) فلقي غلاماً في ابل لعبد الرحمن بن عوف ، فأخبره أن عيينة بن حصن قد اغار في اربعين فارساً على لقاح رسول الله ( ص ) وأنه قد رأى مدداً بعد ذلك أمد به عيينة .
قال
سلمة : فاحضرت فرسي راجعاً إلى المدينة حتى وافيت على ثنية الوداع (٤)
فصرخت بأعلى صوتي : يا صباحاه ! ثلاثاً ، أسمِعُ من بين
____________________
(١) : العتمة : ظلمة الليل ، وكانت العرب تسمي الحلاب باسم الوقت .
(٢) : هو نفسه المقداد ، وهنا انتقل بحديثه من صيغة المتكلم الى الغائب مبالغةً في الأهمية .
(٣) : الآري : حبل تشد به الدابة في محبسها .
(٤) : ثنية الوداع : عن يمين المدينة ودونها ، وهي ثنيّة مشرفة على المدينة يطؤها من يريد مكة .