وقتل في ذلك اليوم محمود بن مسلمة ، كان حين أنهكه التعب قد استظل بجدار الحصن فالقى عليه يهوديٌّ رحى من أعلى الحصن فقتله .
وأظهرت قلاع « النطاة » وناعم صموداً أمام معسكر المسلمين ما لبث أن إنهار بعد أيام أمام ضرباتهم واصرارهم العنيد ، ولكن خيبر لم تفتح ، فقد بقي من قلاعها قلعة « القموص » وهي أهم قلاعها ، كانت قائمة على قمة تل صخري أملس رأسي الحواف ، محاطة بجدار ضخم مرتفع ، وقد اشتهرت بالقوة والمناعة ، وكان يدافع عنها « مرحب » البطل الشهير .
وطال الحصار ، ودبت المجاعة بالجيش ، ففترت همة الجند ، وكان النبي ( ص ) كلما أعطى الراية لبعض أصحابه يرجع منهزماً كاسفاً . فرأى النبي ( ص ) أن يحشد كل قواه الضاربة لفتح هذا الحصن ، فاجتماع اليهود فيه يجعلهم أقدر على الفتك بالمسلمين .
وجمع محمد جيشه ، وأمرهم أن يقتحموا الحصن ، وسلم أبا بكر راية الجيش ، ولكن أبا بكر لم يستطع أن يصنع شيئاً ولا أن يقتحم الحصن ، فبعث في اليوم الثاني عمر ابن الخطاب ، فكان نصيبه كنصيب صاحبه . « فقد انكشف عمر وأصحابه ورجعوا إلى رسول الله ( ص ) كما في رواية الطبري : يجبنه أصحابه ويجبنهم » وظل القتال مستمراً وكلما أعطى الراية إلى أحد ، رجع خائباً ، أو فاراً . (١)
ولما
بلغ الجهد بالمسلمين مبلغاً تخشى عواقبه وساء رسول الله ذلك . فقال : لأعطين الراية غداً رجلاً ، كرّاراً غير فرّاراً ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ولا يرجع حتى يفتح الله على يده » (٢) فتطاولت لها
____________________
(١) : راجع سيرة المصطفى / ٥٤٩ .
(٢) : إعلام الورى / ١٠٧ وغيره .